أمضيت شطراً لابأس به من حياتي في الوظيفة العامة ثم في القطاع الخاص. إلتقيت بكثيرين جداً فنشات بيني وبين البعض منهم علاقات تطورت الى صداقة ثابتة الأركان لم تتزعزع يوماُ ما. كنا نسافر معاً ونغامر سوية ونتناقش فيما بيننا فنختلف في الراي او نتوافق ولم يكن هذا مهماً بحد ذاته. عندما دخلنا فضاء الحياة الزوجية وانشانا أسرنا الصغيرة إنتقلت علاقاتنا الى افراد الاسرتين. صارت الهموم واحدة فما ان يشتكي عضو منا من عارض ما حتى يتداعى له الاخرون بالسهر والعناية. كانت اسماؤنا خليطا من روبرت وعلي وخالد ومادلين وسناء وسعد وفاطمة وغيرها. لم تكن الأسماء تعني لنا كثيراً. كانت مجرد أسماء. بإستثناء الهموم الفردية، وهذا أمر طبيعي،كانت تجمعنا الهموم العامة: تحديات بناء الدولة الجديدة وماهو الجديد في الثقافة والفن وحقوق المرأة وضرورة إنخراطها أكثر فأكثر في الفضاء العام والتواصل مع العالم. بعض الأسماء كانت تشير الى الدين أو الطائفة لكننا لم نذهب معها الى ماهو أبعد من هذا. بعض الأسماء كانت محيرة ولم يكن يعنينا فك خيوط هذه الحيرة. لتكن أي شيء لكن معرفة هذا الشيء لم تكن تشغل أي مساحة من تفكيرنا. لو قدر لهذا البلد أن يسير في الإتجاه الصحيح لكنا وجدنا أنفسنا الآن في فضاء واسع ومفتوح. لقد دفعتنا السياسات الرعناء الى مكان آخر تتصاعد منه رائحة العفونة والأقبية والسراديب. لقد خلق الإحتلال،عن نية مسبقة، هذه البيئة العفنة. صارت الأسماء تعني كل شيء لأنها تشير الى إنتماءىت ثانوية أريد لها ان ترتفع الى مصاف الإنتماء الأول بل وأن تقتل الإنتماء الحقيقي الأول. في هذا الجو الموبوء تعرفت، رغماً عني، على الهويات الثانوية لبعض الأصدقاء ممن كانت أسماؤهم لاتكشف عنها ولم يكن يهمني البحث عنها رغم السنوات الطويلة التي أمضيتها معهم. علينا مقاومة الجهود الحثيثة التي تبذلها جهات عديدة من أجل إشاعة روح الثقافة المسمومة التي تريد طمس معالم هويتنا الوطنية الجامعة وإستبدالها بأخرى مفرقة وقاتلة لمسنا ملامحها القبيحة خلال السنوات العجاف التي بدأت مع الإحتلال.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *