ذات مرة، وفي سنة 2015 كان عمري آنذاك لا يتجاوز الثانية والعشرين عاماً كنت في المرحلة الثانية في الجامعة المستنصرية، كلية التربية الأساسية، صادف هنالك مهرجاناً شعرياً بحب العراق، وعن مدينة الموصل تحديداً التي كانت بيد تنظيم داعش، فحضر العديد من الشعراء آنذاك من جميع الاقسام، وتغنوا بحب تلك المدينة المظلومة التي لم ترَ الراحة ابداً، والتي حالها كحال اغلب مناطق العراق، فأردت ان اقرأ قصيدة بلسان حال احد ابناءِ تلك المدينة، الشاعر عمر الغريب، المظلوم اعلامياً، كان قد نظم قصيدة عن حال اهله النازحين الذين عاشوا الامرين، والتي فيها اجمل الصور الشعرية ذات الطابع الوجداني الحزين، وفي منتصف القصيدة، يخرج قصاصة ورقية بيضاء، ليقول للحاضرين: “اذا بلغت الثلاثين فأجعل لنفسك ذاكرة من ورق”، كونه لم يحفظ القصيدة، فكتبت جميع ما قرأ في مفكرتي التي احملها معي دائماً، حتى تلك المفردة، فترجلت الى المنصة لأقرأ أبياته الممتزجة بالألم والحزن والشجن، ناقلاً حال ابناء نينوى النازحين في المخيمات، حتى وصلت الى جملته التي وضعتها عنواناً لمقالي، وتجاهلتها، كون العمر لم يبلغ الثلاثين بعد، فبقيت اتساءل مع نفسي، يا ترى متى اكبر، وابلغ الثلاثين؟ وهل سيأتي ذلك اليوم؟ فالعمر بطيئاً جداً، كسرعة السلحافة الكبيرة في السن، والتي لا تستطيع قطع طريقها الا بالجهد الكبير.

ومرت الأيام، وركضت السنين، وها أنا اليوم في الأول من عامي الـ30 الذي لا اعلمه كيف مر؟ وكيف مضت تلك السنين العجاف والأيام المريرة المتعبة، والشيب قد غزى الرأس راسماً بياضه في رأسي بعد ان كان اظلم من ايامي سواداً، رحل كل شيء في هذه السنين، الاصدقاء والمعارف والمحبين، كل منا قد ذهب لحياته الخاصة، باحثين عن مستقبلٍ في وطن ليس فيه مستقبل، ربما انا محظوظاً قد كسبت وظيـــــــفة بعد تخرجي اعتاش بمرتبها، الدنانير التي لا تكفي لســــــفرة خارج البلاد، اعان الله هذا الشعب المسكين الذي يعاني ما يعانيه من اهمال حكومي ومعيشة ضنكا، شعبٌ يفني جل ايامه وسنيــــــنه ليحصل على لقمة حلال تقيه جوعه.

نسأل الله تعالى ان يجعل البركة في اعمارنا، وان يقينا سوء العمل، ويجعل اعوامنا مباركة في ذكره وحسن عبادته، ويفرج همنا ويخرجنا مما نحن فيه من فتن وتناحر على كرسي السلطة، ويجعل ذاكرتنا قوية لا نحتاج لذاكرة من ورق. كتبت هذه الكلمات في ليلة الـ13 من آب 2022 ساعة دخولي الـ30 ربيعاً.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *