لا تعطي دلالة عادية استقالة وزير المالية العراقي، لاسيما ان الحكومة في حكم المستقيلة كونها حكومة تصريف أعمال. هل هو قفز استباقي من السفينة الغارقة؟ وهل بات الوقت ضيقاً الى درجة عدم احتمال الوزير الانتظار حتى تنتهي حكومة التصريف من مهامها ويترجل منها الجميع؟
المسألة لا تقف عند وزير مستقيل، انما تمضي الى ما كشف عنه من سرقات تبلغ سبعة مليارات دولار انهكت الخزينة وكان سببها سياسيون ورجال اعمال متنفذون، فيما يستشف المراقب من بيان الاستقالة لغة العجز عن فعل شيء امام انهيار مروع سببه فساد ليس هناك إمكانية للتصدي له، مهما قيل من خطب رنّانة وتصريحات نارية.
قد يكون الوزير في وضع أفضل بعد الاستقالة، لكن الوضع المالي الذي كان مسؤولا عنه في البلاد لن يكون في حال أحسن.
مكافحة الفساد، شعار تحول مادة سياسية، وهي مهمة لم تتصد لها اية حكومة، بل انه لا توجد حكومة ناجية من الفساد ما صغر منه وما عظم، لذلك تبدو الشعارات في الشارع اليوم غير قابلة للتحقيق، بل ضربا من الخيال الممل ايضاً .
الفساد جزء من التكوين السياسي، ومن بناء الدولة في العقدين الأخيرين، ولا يمكن مواجهته إلا بتغيير أسس التكوين السياسي القائمة، وهذا لن يحدث مطلقا، لذلك سوف يستمر الفساد ويتعاظم، وانّ الحكومة المقبلة قد تكون اعلى سنام الفساد بحكم معطيات سياسية متداولة وغير قابلة للتغيير. ولكون شعار مكافحة الفساد نفسه يسهم بقدر او بآخر في الفساد من خلال عموميته وعدم استناده الى أسس قانونية واجرائية وكونه ضائعا لا ينتمي الى أي جهة يمكن ان تضطلع بمهمة تنفيذه.
لقد تخدّر الشارع العراقي بما فيه الكفاية سنة بعد أخرى، حتى بات غير قابل للتخدير بأي شعار، لذلك يكون من المجدي ان تزال اية شعارات، لا توجد سياقات تنفيذية لها ، مهما كانت الشعارات نبيلة وسامية.
الحكومة لا تخبرنا مَن سرق المليارات ، والوزير لا يخبرنا بشيء ويمضي الى حال سبيله ، والمعتصمون لا يكشفون عن أسماء جميع اللصوص، وفي الوقت ذاته، هنا وهناك أيضا، يرفع اللصوص شعارات مشابهة لمكافحة الفساد والفوضى وحفظ القانون