هناك فرق بين النفوذ وبين العلاقات !
فالنفوذ الايراني في العراق يعود الى أكثر من ثلاثة آلاف عام ، وتطور في فترات معينة من مفهوم نفوذ ، الى حالة اجتاح واحتلال ، من عهد الدولة الفارسية في القرن الخامس قبل الميلاد ، ثم الفارسية الساسانية في الخمسمائة عام من الالف الثاني ، ثم الدولة الصفوية في القرون التي تلتها ، وما زالت آثار طاك سلمان ( المدائن حاليا ) ، شاهدا على ذلك .

ورغم ان الحاضر هو امتداد للماضي ، ولكن لنختصر ونتكلم عن التاريخ الحديث ، والعلاقات بين ايران والعراق ، والتي تحددها عوامل كثيرة على رأسها :
– الجغرافية ، والتي تشمل أكثر من 1,500 كيلومتر من الحدود المشتركة بين البلدين من سهول ووديان وجبال ، ومشكلة المياه المختلف عليها في شط العرب ، ومشكلة مياه مسميات خليج البصرة / الخليج الفارسي / الخليج لعربي / الخليج ، ومشكلة روافد المياه من الاراضي والمرتفعات الايرانية الى الاراضي العراقية .
– الدين ، فايران ذات الدين الاسلامي السني ، تحولت الى الدين الاسلامي الشيعي قبل خمسة قرون ومع عودة حكم احفاد الامبراطور كورش الذي حكم ايران في القرن الخامس قبل الميلاد ، ومع الوقت ايران الفتية في شرعيتها ، أسست مرجعيات أهمها واكبرها في مدينة قم ، ونجحت جهود قم في مد اخطبوها الى العراق والذي يخضع في ذلك الوقت للاحتلال والنفوذ العثماني ذو النظام الاسلامي السني ، من خلال الاتصال بقادة الشيعة في العراق ومركزهم الديني في النجف الاشرف .
– الاقتصاد ، دائما العراق ، سلبي في الميزان التجاري مع ايران ، حيث يستورد من ايران المنتجات الزراعية والمواد الاخرى ، أكثر من ما يصدر لها ، وخاصة البلدين لديهم النفط والغاز ، وهو الدخل الرئيسي لكلاهما .
– السياسة ، العراق كدولة مؤسسة حديثا كمملكة ذات كيان في عام 1921 ، وقبلها كان خاضعا للنفوذ والاحتلال الفارسي والعثماني ، لم تكن له علاقات قوية مع دول العالم ، بينما ايران تحضى بعلاقات دبلوماسية عريقة مع الدول الكبرى والصغرى البعيدة والقريبة . وبنت تبادل مصالح ومنافع معها ، بينما العراق كان مشغول في تحولاته السياسية في أقل من نصف قرن ، فبينما تأسس في عام 1921 ، بقى تحت الانتداب البريطاني الى عام 1932 ، وانتقل من الحكم الملكي الى الحكم الجمهوري في عام 1958 ، ثم الى اجتاح واحتلال أمريكي في عام 2003 ، محولا نظام الحكم من اسلامي سني الى اسلامي شيعي موالي الى ايران .

لم يتفق المحللين السياسيين على الاسباب الحقيقية التي دعت أمريكا وحلفائها على الاتفاق لاجتياح واحتلال العراق ، وتبديل النظام السياسي والمذهب الديني فيه ، وتسليمه على طبق من ذهب الى ايران ، اذا اتفقنا على ان الاسباب التى ذكروها لا تمت للحقيقة بصلة ، واعترف قادتهم فيما بعدها ببطلان تلك الاسباب .

أمريكا تثق في ايران ، رغم ما نسمعه في الاعلام ، فالامام الراحل روح الله الخميني ، قد وفى بوعده الذي قطعه للامريكان وخاصة آخر جلسة مع مندوبهم ، رمزي كلارك وزير العدل السابق ، في مقر الامام الخميني الذي يبعد حوالي 70 كيلومتر خارج باريس ، وعندها تم السماح للامام الخميني بالصعود الى طائرة البوينغ التي وضعوا عليها العلم الفرنسي والاتجاه الى ايران ، مع الايعاز الى الضباط الايرانيين الموالين لامريكا بعدم التعرض له واستقباله لاستلام الحكم ، وكانت أهم الوعود التي اعطاها الامام الخميني للامريكان ونفذها :
….. عدم قطع النفط عن أمريكا والغرب ، معقبا بان ايران بحاجة الى أموال للبناء والاعمار ، ولا تستعمل النفط كسلاح سياسي .
….. عدم إشراك الشيوعيين واليساريين وأعداء أمريكا في الحكم الجديد ، معقبا بانه رجل مسلم ، والاسلام ضد الالحاد ، وحسب تعبيره معتبرا الشيوعيين واليساريين ملحدين ويقصد الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت .
….. نقاط سرية لم يتم الافصاح عنها لحد اليوم ، باعتبارها تهم أمن الطرفين .

وللاجابة على عنوان الموضوع ” العراق .. كيف ومتى يخرج من النفوذ الايراني ” ؟ ، لا بد ان نجد إجابة للاسباب الحقيقة التي دعت أمريكا وحلفائها للتغيير في العراق , وتسليمه للنفوذ الايراني !!

ومع كل الفساد الاداري والمالي وعمليات ” الفرهود ” السائدة في العراق ، ومع انعدام أغلب الخدمات الضرورية للشعب ، يظهر بان أمريكا وحلفائها ان لم يكونوا مرتاحين للوضع ، فلا اعتراض لهم عليه ، ولا في الافق أي تخطيط لديهم لتغييره .

قلتها واعيد ما قلت ، بان ما يجرى في العراق حاليا من خلافات و ” معمعة ” بين التحالفات ، لن تصعد أكثر من خلافات على المراكز والمناصب واعادة توزيع الحصص ، وستتم التسويات بينهم قريبا ، وتحت شعار تنازلات من جميع الاطراف لمصلحة سلام وأمن الوطن والشعب ، والابتعاد عن سفك الدماء التي اوصانا بها أئمتنا الصالحين .

واذا كانت الخلافات بظاهرها المعلن بين التحالفات الشيعية وهم جميعا ذوي ولاء لايران مهما قالوا ومهما صرحوا ، فلا يعني بانه لا دخل أو مصلحة أو منفعة فيها من قبل الاطراف الاخرى المشاركة في الحكم ، وهم التكتلات السنية ذوي الولاء للسعودية والخليج ، و قادة الاكراد ، الذين بدأوا هذه الخلافات ولهم مصلحة كبيرة في استمرارها ، ومن أجل أسباب نعرفها جميعا .

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *