قبل أيام خلت اعتلت الى بارئها الأعلى ارواح طاهرة اثناء احياء قداس في كنيسة أبي سيفين ، وحرصت عدة فضائيات عربية ، من بينها عراقية على تغطية الحدث لحظة بلحظة ، لهول الكارثة ، وعظم النكبة ، ويقيناً لأهمية الخبر ، وبالقطع أن نقل مثل هذه الأحداث مباشرة دليل مهنية القناة وحرص القائمين عليها على مواكب المستجد لاسيما أنه تعلق بالروح ، وابرياء قضو اثناء العبادة في بيت من بيوتها .
لكن ما لفتني في تغطية الحدث أن الحكومة المصرية حظرت وصول كاميرات ومراسلي الفضائيات المحلية والأجنبية الى موقع الحدث ، وكل ما وصل اثناء التغطية صور كامرة نقال احد الحاضرين في مسرح الحدث ، ولم يجرأ مراسل أو محلل أو فضائية على الهمس أو التساؤل ولو سراً عن الأسباب وراء حظر التغطية ، وبالتأكيد أن هذا الإبعاد الإعلامي لم يكن من تفردات الحكومة المصرية ، بل هو مشاهد متداول مقبول في اكثر الدول ديمقراطية عربية واجنبية ، لكن ما هو غير مألوف ما يحدث في العراق
فالفضائيات العراقية والعربية والأجنبية تدخل مسرح الحدث ، وتنقل بتحريف وتحريض ودس وتضخيم الخبر ، وما أن يُصحح المعني الخبر ويصوب الحدث ولا يمنع المراسل من التغطية الا وتُفتح عليه نيران ادعاءات تقييد الحرية وتكميم الأفواه وتحريف الأحداث ، فلا يترك رئيس جمهورية الا ويُسب ، ولا ينجو رئيس حكومة من الاتهام ، ولا ينأى القضاء بنفسه عن كيل التهم بالتقييد ، فالدولة مباحة والنظام مستهدف ، والإعلام يصول ويجول ويتهم ويُحرف وينقل ما يشاء دون حساب .
وربما كان المائز الأكبر بين حادثة أبي سيفين وأبي حزامين (العراق )، أن همّ مقدم النشرة الإخبارية في حادثة أبي سيفين ، ومراسل الميدان ومحلل الحدث ، في كل الفضائيات التي غطت الكارثة بما فيها العراقية ، دفع التهمة عن الحكومة المصرية ، وتلميع صورة الدولة ، وإظهار الشعب موحداً بأديانه وطوائفه وانحداراته، ويقيناً أن الصورة معكوسة في بلد أبي حزامين ، الدولة فاشلة ، الرئاسة غائبة ، الحكومة مقصرة ، الإهمال واضح ، القصد متوفر ، الحادث مقصود ، التورية واضحة .
واللافت أن مقدم النشرة في إحدى الفضائيات غير المصرية ، أعلن وهو في قمة تفاعله مع الحدث ، وقبل أن تعلن الحكومة المصرية سبب الحريق الذي انتهى الى النكبة ، أن الحريق ناشء عن تماس كهربائي وخلل في منظومة تبريد الكنسية ، وأردف قائلاً أن ذلك سبب الحريق ولحين الكشف عن سببه ، وكأنه مكلف بالدفاع عن الحكومة ، ودفع التهمة ، وتبرير الحدث ، ويقيناً أن ذلك ليس من عندياته ولكن سياسة فضائية ، وتوجه دولة ، وتوجيه مسؤول ، في حين أن حريق المستشفيات في العراق يقيناً مفتعل ، والتهام النيران لأسواق المواد الغذائية يقف وراءه كتل سياسية ، ووفاة مسؤول بحادث سير بالقطع هو اغتيال مبطن ، والفضائيات تنقل وتتداول وتُصعّد وتستضيف النواصب والباغضين والمغرضين من أبناء الوطن ، والدولة ومسؤوليها والقائمين على شأن الإعلام في واد آخر مغيبين وكأن الحدث وتحريفه في بلد أجنبي .
واستُنفر الإعلام العربي والعراقي الذي غطى الحدث ، نبأ راح يردده كل لحظة ، حيث أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية أنها ستقدم المساعدات اللازمة لأسر المتوفين والمصابين ، ويقيناً أن مثل هذا الإعلان يستحق الاستنفار الإعلامي والترديد في الأخبار العاجلة ، عجيب أمرك الإعلام الموجه مع أو ضد ، والسؤال المطروح لو خرج مثل هذا الإعلان في العراق بعد حادث جلل وما أكثرها في بلادي ، هل سيجد مثل هذا التغطية والاهتمام ؟ أم أنه سيكون مادة للتندر وذريعة لمهاجمة الحكومة ؟ .
على متخذ القرار في بلادي أن يكون أكثر حزماً في الدفاع عن سمعة الوطن وكرامة المواطن ومهنية الإعلام ، فيحرص على الموازنة بين حريته والحرص على نقل الحدث بعيداً عن التقييد وتكميم الافواه ، وبين المحافظة على مكانة الوطن بعيداً عن الاستهداف والتوجيه بقصد الإسقاط والنيل والتشفي ، فقد اضحى العراق وأحداثه مادة للإعلام المغرض ، ووسيلة لتصفية الحسابات السياسية ، واداة للضغط لتبني موقف معين أو العدول عنه ، فالعراق ليــــــــس بلد هامشي منسي ، ولا وطن يعتاش على حافات قرارات البلدان ، ولا ألعوبة بيد المستهدف المغرض ، وعلى ظلالة من ظن أن العراق أضحى ساحة للعب الآخرين ، فالعراق أصله ثابت وفروعه يشهد بها التاريخ ، وعلى من ظن به الظنون اللعب بعيد عنه ، فالتاريخ يسجل والذاكرة تحفظ ، والعراق يمرض لكنه لا يموت ، وغيره زائل وهو باق .