في زيارتي يوم الاحد الموافق 21آب 2022لأحد استاذتي الافاضل، الفريق الركن المتقاعد طارق محمود شكري في محل اقامته ، دار بيننا احاديث عديدة،ومنها خبر أفادت به صحيفة “ديلي ميل” البريطانية ، أشعل وسائل التواصل الاجتماعي، حول قرار قائد أكاديمية ساندهرست العسكرية البريطانية بطرد7 طلاب اماراتيين “كإجراء تأديبي”، وذلك بسبب محاولتهم رشوة مدربين أثناء تدريبهم ، إذ تعتبر أكاديمية ساندهرست العسكرية في بريطانيا من اعرق الأكاديميات العسكرية في العالم ، تخرج منها العديد من الملوك والامراء ورؤساء الدول والقادة ،وان الفريق الركن طارق محمود شكري حفظه الله أحد الضباط الذين تخرجوا منها في اواسط الخمسينات من القرن الماضي ، وذكر لي حادثة، دفعت بي لأكتب تفاصيلها، بغية التذكير بأهمية الصدق الذي يعتبر عنوانا لنجاح الدول وتطورها : فقد تسببت كذبة بفصل الطالب الاول (الاقدم) على دورته والذي كان مرشحا لنيل السيف الملكي لتفوقه قبل ايام من تخرجه ، إذ كان التقليد السائد في تلك الاكاديمية قبل تخرج اي دورة ،ان يقوم طلاب الصف المستجد والمتوسط بالإغارة على طلاب الصف المتقدم والذين هم على ابواب التخرج، وإحداث نوع من الصخب والعراك ،لينتهي في نفس اليوم بتدخل من إدارة الأكاديمية ، وان هذه الظاهرة كانت تحدث في اكاديمية ساندهرست كل سنة قبل تخرج الصف المتقدم بأيام، (وقد كان هذا الامر متبع ايضا في الكلية العسكرية العراقية ).
صف متقدم
والذي حصل في تلك الحادثة ، هو قيام بعض طلاب الصف المتقدم بإجراء استفزازي لطلاب الصف المستجد والمتوسط ، وذلك بإخفاء ملاعق وشوكات وسكاكين الطعام خارج مبنى مطاعم طلاب الصف المستجد والمتوسط ، وعند وصول هؤلاء الطلاب الى المطاعم اكتشفوا انهم لا يستطيعون تناول الطعام لعدم وجود الملاعق والشوكات ، فحصل ما كان معتادا من شجار واشتباك بالايدي بينهم وبين طلاب الصف المتقدم ،وانتهى الامر بأعادة ماتم اخفاءه عنهم الى المطاعم ، وإثر هذه الحادثة وهي كما اسلفت أمراََ معتاداََ يحدث سنوياََ بين الطلاب، ليظهر بعد عدة أيام خبرا في صحيفة “اخبار العالم” المتخصصة بالفضائح وبالعنوان العريض (تمرد في ساندهيرست) ، فقد اثار هذا الخبر حفيظة إداراة الاكاديمية ، وبدأت تحقق للتعرف على الشخص الذي سرب هذه الحادثة الى تلك الصحيفة، لاسيما وانه امر معتاد يحصل بين الطلاب سنويا ، إذ توصلت لجنة التحقيق بأن الطالب الاقدم (المتفوق الاول)الذي كان مرشحا لنيل السيف الملكي ، هو من سرب الخبر لتلك الصحيفة ، ونظرا لإنكاره في البداية بعدم مسؤوليته عن تسريب خبر تلك الحادثة ، فقد اتخذت إدارة الاكاديمية قرار فصله نهائيا من الكلية قبل ايام من تخرجه لكذبه وعدم الاعتراف بتسريبه للخبر الا بعد مواجهته بالادلة من المؤكد فإن هذه الحادثة تؤكد مدى رصانة وجدية المؤسسات التعليمية والتدريبية في تعزيز القيم النبيلة لدى طلابها الذين ستوكل اليهم مهمة الدفاع عن الوطن، وفي مقدمتها الصدق الذي يعتبر رأس كل فضيلة ، والنزاهة التي تعتبر مفتاح الاخلاص للوطن ، والتي للأسف لم تعد هذه القيم النبيلة موجودة في مجتمعنا وأغلب المؤسسات التعليمة والوظيفية ،فكانت النتيجة أصابة كافة مفاصل الدولة بالعطب الواضح والخلل الكبير ، وان بلدنا لن ينهض طالما ابتعدنا عن الصدق والاخلاص ، فكم من القرارات الخاطئة المبنية على الكذب بدوافع شخصية ساهمت في هدر وضياع المال العام ، او بسبب اشخاص دفعوا رشاوى ليحصلوا على مناصب عليا في إدارة الدولة والقوات المسلحة وهم لايصلحون لها ، وكم من المعارك خسرناها بسبب معلومات ومواقف كاذبة وخاطئة تجانب الحقائق . ختاما فإن الصدق يعتبر المعيار الحقيقي لتقدم المجتمعات ورقيها وهو في قمة الصفات والقيم النبيلة ، فهو مفتاح لكل فضيلة ، بعكس الكذب الذي يعتبر باباََ لكل رذيلة فقد ورد في الاثر ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة)، وكما قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب : الكذاب والميت سواء. لأن فضيلة الحي على الميت الثقة به، فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته.
والله المستعان.