لم أحظ يوماً بعلاقة ودية مع أي إنتهازي. ربما يعود هذا الى طبيعتي الخاصة زائداً تربيتي العقائدية. لكني لا أخفي أن قدرة الإنتهازي على التناغم والإنسجام فوراً مع المستجدات كلما كان ذلك يعود بالنفع عليه تثير إهتمامي. حاولت أكثر من مرة أن أجرب السير على هذا الدرب كلما كنت أرى تقدم الأدنى والفاشلين والأغبياء على الأذكياء والكفوئين والمؤتمنين لكني كنت أخفق في كل مرة ومنذ اللحظة الأولى. لو فعلت ذلك لكان حالي أفضل مما أنا عليه بكثير لكني أحمد الله على ما أنا عليه. للإنتهازي مواهب لا أتمناها أن تكون من نصيبي ولا من نصيب أي أحد ممن أحبهم وأتمنى لهم الخير.من تلك المواهب التي تطبع حياة الإنتهازي عدم الحياء أو الخجل مما يفعل وإن حاول في كثير من الأحيان أن لا يظهر هذا السلوك الى العلن بل وأن يوحي أنه يفعل العكس. ثم تأتي قدرته الفذة على نسيان إلتزاماته وسحقها كلما كان هذا مجزياً له أو كلما كان هذا يمهد له الطريق ولو بخطوة واحدة نحو هدفه. موهبة الإنتهازي الأخرى هي موت الضمير وغياب الرادع الأخلاقي ثم إيمانه الداخلي الذي لا يتزحزح بأن الغاية تبرر الوسيلة. النميمة والوشاية والتسقيط والإخبار الكاذب وحرق من يتصورأنه عقبة أمام طموحه كلها وسائل دنيئة لا يتورع الإنتهازي عن إستخدامها حتى وان ألحقت ضرراً بالآخر أو عرضت حياته الى خطر. لكن لعل أتعس هذه المواهب هي عدم وجود كلمة (وطن) أو (مصلحة عامة) في قاموسه الشخصي فبينه وبينها قطيعة نهائية. يبحث الإنتهازي دائماً عن محيط يمكن أن يعيش فيه فإن لم يجده فإنه يخلقه أو يمهد لخلقه. الإنتهازي حذر عادة ويحتاط لنفسه قدر الإمكان وقد يكون سخياً في (كرمه) في أحيان كثيرة طالما أتى سخاؤه في المكان والزمان المناسبين وعاد عليه بالمنفعة. والإنتهازية، كأي حالة مرضية تتطور وتأخذ أشكالاً مختلفة فإنتهازي الماضي القريب كان حذراً ومتستراً ويتربص فرصته على مهل. اما الآن وأعني بعد عام الإحتلال المشؤوم فقد بتنا أمام إنقلاب ضخم في مفهوم الإنتهازي والإنتهازية لم يسبق له مثيل في التاريخ. فلأول مرة صارت الإنتهازية تعمل في العلن وأصبحت شخصية الإنتهازي شخصية عامة وهو يتبوأ أعلى المناصب ويحيط نفسه بإنتهازيين مثله وكلهم يستهلكون أموال الدولة بدون رحمة. لأول مرة تصبح الإنتهازية ثقافة عامة. ولأول مرة تكون الإنتهازية مسلحة. إذا أراد أحد رؤية إنتهازي فليتنقل بين الفضائيات مساء كل يوم فستقع عيناه على أكوام من نفاياتهم وهم يتحدثون عن الشرف والدستور والحفاظ على مؤسسات الدولة والوطنية المهددة والأخطار المحيقة بالعملية (الديمقراطية). ترى الى متى سيبقى الحال على ماهو عليه الآن؟ الى متى يظل الإنتهازييون يقبضون على مقدرات هذا البلد وثرواته؟ الانتهازية مرض معد وقد أصاب ولايزال يصيب أعداداً تتزايد من الناس ممن توصلوا الى قناعة ان الطريق الى الرخاء يحتاج الى سلوك إنتهازي متلون متنقل الولاءآت.