ما أعظم الجزائر وهي تقف ممسكة بعناصر القوة في خلال استقبالها الرئيس الفرنسي ماكرون، لتثبت ان التاريخ الجزائري قطعة متناسقة موحدة، لا انفصام لمرحلة تحرير البلاد من الاستعمار الجزائري عن زمن باتت العلاقات الدولية تتطلب التعاون مع باريس من دون إخلال بمعادلة اثبات الحق التاريخي في ادانة مرحلة مشينة فرضتها القوة الفرنسية الغاشمة وخاض الجزائريون معارك التحرير من دون ان يسجل التاريخ عمالة أي من القيادات الجزائرية وتبعيته للمحتل.
الجزائر تعي دورها الناجز في فهم تاريخها ومسؤولياتها ومعاناتها عقودا طويلة ومعنى سقوط مليون شهيد من اجل الحرية والاستقلال، واليوم يصطحب ماكرون، معه الي الجزائر مؤرخ الاليزيه بنجامين ستور المولود في مدينة قسنطينة بالجزائر عام 1950 الذي يقول “سيفاجأ الكثير من الفرنسيين عندما يكتشفون الكهوف المدخنة (مذابح المدنيين على أيدي الجيش الفرنسي عبر إشعال النار في مداخل كهوف لجؤوا إليها) وتهجير السكان. إنهم لا يعرفون كل ذلك» خصوصا بشأن الخمسين سنة الأولى من الاستعمار التي اتسمت بدموية شديدة.
واحتلال القوى العظمى لبلدان العرب ليس امرا من ماضي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ففي القرن الحادي والعشرين وقع احتلال مباشر من الولايات المتحدة للعراق تحت أسباب ما لبثت ان انكشف زيفها بشهادات أمريكية قبل سواها. ثمّ توالى اكثر من احتلال ضمني على العراق ولا يزال، وكانت الطبقة السياسية وطبقات نخبوية أخرى ذات صلة، بحسب الفيديوهات والتسجيلات جميعا من دون استثناء على صلة عمل وثيقة من اجل ان ينجز الاحتلال مهمته. الان هناك تبرؤ من ذلك التماهي الاعمى والاستلطاف الانعم مع قوة اجنبية تحتل بلد الذين يدعون انهم عراقيون ولهم حق تمثيل الشعب.
ربما سيحتاج العراق مدة تقارن مائة سنة لكي ترتقي النُخب لمستوى محاكمة حقبة تاريخية مخزية ومشينة، ولعل المنارة الجزائرية هي الاوضح للاقتداء بها في معرفة كيف يجب التمسك بالحقوق التاريخية لكل الذين قضوا وهم يدافعون عن تراب وطنهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او المذهبية.
لنتصارح، العراق غير مؤهل بنخبه الحاكمة وحواشي الحكم ان يعي كيف يتعامل مع الحقبة الامريكية التي مرت ولم تمر.
من السذاجة تبني أو تأييد خط إطلاق قذائف على السفارة الامريكية او مواقع فيها عدد محدود من الامريكان، فلا يخفى على أي مراقب تلك اليد الخارجية التي تحرك هذه الورقة عند الحاجة. المطلوب ولادة جيل سياسي جديد غير تبعي التفكير والولاء والانتماء والتمويل، يتبنى إعادة رسم العلاقة مع واشنطن بحسب المصالح الوطنية، من خلال منظور الحرب الامريكية التي مرت عبر الأسباب الواهنة، وأن تشترك النخب الفكرية في صياغة مشروع العلاقة الصحيحة ذات الحقوق واجبة التسديد. وهذا يخص دولا في الجوار عربية او غير عر بية كانت تتحرك تحت ثوب الاحتلال.
اعرف انّ هذه المسألة تحتاج انقضاء أكثر من جيل لكي تتحقق. وأبقى راسماً قوس الامل المقتبس من تجربة الجزائر، ذلك الشعب العظيم