يبدو ان طرفي أزمة عاشوراء وضيوف البرامج الحوارية ومعلقي النشرات الاخبارية نسوا جوهرها ، فانشغلوا بمسألتي حل البرلمان واجراء انتخابات برلمانية مبكرة ، وكأن البرلمان هو سبب نشوب الأزمة الراهنة ، فجل الحديث يدور عن اشتراك طرفي الأزمة بفكرة حل البرلمان واختلافهما على الآليات ، فالاطار يريدها وفقا للسياقات الدستورية حفاظا على العملية السياسية ، مع ان مسيرة العملية السياسية قد حفلت بانتهاكات لا تحصى للمواد الدستورية ، ولعل تأخر تشكيل الحكومة عشرة أشهر خير دليل ، بينما ينتظر التيار من المحكمة الاتحادية حل البرلمان ، اذ لا يوجد ما يضمن أن يحل البرلمان نفسه ، بينما لا ترغب المحكمة الاتحادية بإصدار قرار سريع بهذا الشأن يزيد من حالة التوتر ، لذلك أجلت البت بهذه المسألة حتى نهاية الشهر الحالي ، لعل الأزمة تتحلحل بتنازلات يقدمها المتأزمون ، او تنجح مبادرة الحكومة او غيرها لعقد لقاء مباشر بين الخصوم من أجل حوار بناء يفضي الى اتفاق . طبعا ستنتج الأزمة الراهنة أزمات تابعة ، منها أزمة تشكيل الحكومة الانتقالية المكلفة بالتحضير للانتخابات في حال حل البرلمان ، وأزمة المحكمة الاتحادية أيا كان قرارها في نهاية الشهر ، وأزمة الأزمات لو حدث فعل خبيث من المتربصين بما يتجه بالأمور الى مسار كارثي لا سامح الله . لذا لابد من الحذر الشديد ، وتعزيز السيطرة على الأزمة تحسبا من الانحراف .
لم يبق وجه للموضوعات المذكورة دون أن يقلّبه المتحدثون ، لكن جوهر الأزمة يمر مرور الكرام في تلك الأحاديث ، فحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة لا يمثلان حقيقة الأزمة ، بل يكمن جوهرها في نقطة انطلاقها بالخلاف على نوع الحكومة القادمة ، فالتيار الصدري يريدها حكومة أغلبية وطنية ، بينما يرغب الاطار بأن تكون توافقية وترضي جميع المشاركين في العملية السياسية ، وهنا نستذكر ان من قوى الاطار من طالب في سنوات ماضية بحكومة أغلبية وطنية ، وعلى وجه التحديد السيد نوري المالكي الذي أقر بان جانبا من فشل حكومته يكمن في الشراكة ، وللأسف لم نسمع في وقتها صدى من القوى السياسية لما قاله السيد المالكي .
نظن ان حكومة الأغلبية خيارا مناسبا لهذه المرحلة بوصفه آلية غير مجربة ، ولم نعرف بعد محاسنها ومساوئها ، نتطلع لإصلاح العملية السياسية التي دمرها التوافق الذي لا يعني سوى المحاصصة ، فلولا التوافق ما كان للفساد أن يستشري بهذا الحجم المرعب ليؤخر البلاد عقودا من النمو ، فما التذمر الجماهيري الا حصيلة الفساد ورجاله المتحصنين بالمحاصصة التي جملّوها بتسميات التوافق والشراكة وحفظ حقوق المكونات .
فلا قيمة لحل البرلمان ، ولا جدوى من انتخابات مبكرة ، ما لم يتفق الفاعلون على تغيير شكل الحكومة بعد الانتخابات ، وبعكس ذلك فان ما تجري المطالبة به ليس الا ترحيل للأزمة ، لنعود بعد الانتخابات لذات الشرارة التي أشعلتها .
لابد من التخلص من المحاصصة لكي نتحرر من الفساد ، وقد رأى التيار الصدري في حكومة الأغلبية طريقا للإصلاح ، ليس اصلاح واقع المجتمع فحسب ، بل اصلاح العملية السياسية ايضا ، والذي لا يرى في ذلك اصلاحا ليبادر بآليات جديدة لتخليصنا من سرطان المحاصصة ، ولا أظن ان التيار او الناس ستعترض على ذلك ، وكان التيار اقترح أثناء محاولاته تشكيل الحكومة أن يقوم الآخرون بتشكيلها ويكون هو في المعارضة ، لكن المقترح لم يؤخذ على محمل الجد .
الواقع يحتم أن يتولى طرف محدد ادارة البلاد والبقية في صفوف المعارضة لمراقبة الأداء ، لكي يتحمل مسؤولية الفشل ، ويجني ثمار النجاح ، ألا تذكرون ما سمعناه من رؤساء الحكومات السابقين الذين ردوا النقد الموجه لهم بالفشل ، انهم ليسوا مسؤولين لوحدهم عنه ، بل جميع القوى والتيارات شركاء في الفشل بحكم تمثيلهم في الحكومة ؟ .وأجزم ان الأمور لن تمضي بالاتجاهات السليمة ، وبخاصة ما يتعلق بتشكيل الحكومات ما لم تعيد المحكمة الاتحادية النظر بتفسيرها للكتلة الأكبر باتجاه أحقية الفائز في الانتخابات ، لأنها الثغرة التي ينفذ منها الخاسرون لكرسي السلطة .