بقلم | الكاتب محمد الكلابي

 

تخيل أنّك عارٍ تسير وسط مجموعة من الأشخاص, ترتدي سماعة أُذنكَ, تستمع لأُغنيتكَ المفضلّة بأعلى صوت, طبلة الأُذن ترقص, حتى أنت ترقص, حتى شرايين رقبتكَ تنبض بالموسيقى المداعِبة, و فجأة, يعم الصمت, تتوقف عن الرقص, تبدأ عيناك تغرق في بحرها, لم تنتهي الأُغنية, لم تمت بطارية هاتفك من فرط السعادة!, لم تتوقف شرايينكَ عن إحتضان الدم! بل مرّت أمامكَ ذكرى, ذكرى لشخصكَ المفضّل, لتفاصيله المفضّلة.

 

تتذكر تلك الأُغنية المفضلّة كيف يرقص معها جهاز الستيريو, و أنتَ تجلس على أريكتكَ المفضّلة, تُدخن سجائركَ المفضّلة, تنفث الدخان بعيداً عن جميلتكَ التي تجلس في حضنكَ, التي تضع رأسها ذا العطر الخارق لجدران القلب على كتفكَ, ذلك الكتف الذي واضبت في الحفاظ على حجمه بالتمارين الرياضيّة لأنّها كانت تحبّ أن تشعر بالأمان قربه, لربّما كنتَ تضع الحجّة في تلك التمارين, كنتَ تحاول أن تجعلها سعيدة فقط, كنتَ تحاول أن تجعلها تبتسم حتى و هي تحلم بأحلامها الغريبة الجميلة, حتى و هي تضع تلك المواد الكيميائية في فمها الطاهر لحالتها الصحيّة الحرجة, كنت تخشى أن تُداعب رقبتها حتى لا تختنق بأصابعكَ الطويلة, كنتَ تكره تلك الأصابع حتى لمستها هي, حتى إحتضنتها هي, أصبحت من المقدسّات فجأة.

 

لكنّ كلّ ذلك كان ذكرى, كان ذكرى لحلم البارحة, كان ذكرى لحلم رسمتَه و أنتَ تتحدث معها عبر الهاتف, صنعتَ تفاصيله كلّها حتى تلك النملة التي إخترقت جدار صالتكَ, كنتَ تراها وسط ظلام المكان, الأحلام تُرسّم بعفويّة, بجديّة, بحبّ, لكنّ الواقع مُرّ, كيف تستطيع أن تجعل الحلم حقيقة و هي تراك و لا تراك!, كيف ستجعله حقيقة و هي تصنع أحلامها الخاصة بعيداً عنك؟.

 

فجأة ترى الجميع ينظر لقشعريرتكَ, بدأ ينتبه لتلك النتوءات التي ظهرت و أنتَ تغرق, تغرق في الذكرى, ذكرى حلم لن يتحقق, لربّما خرجت عارياً لهذا السبب؟, لربّما نسيت أنّ الأحلام لا تُرتدى فقط تلك الملابس الرثة المعلّقة في خزانتكَ, معكَ حقّ في إعتقادكَ أنّكَ محتشم, أنّكَ جسور في الأحلام, إلّا أنّكَ قد نسيتَ الحقيقة, حقيقة هذا الكون المخلوق بأصابع الربّ, تلك الأصابع القاتلة للأحلام, تلك الأصابع التي تخلق النبوّة و تقتل النشوّة, نشوّة الحبّ, لأنّها من المحرّمات, لأنّها من المرفوضات الإلهية حتى قيام الساعة, هل علمَ الربّ أنّ ساعتكَ قامت في تلك اللحظة؟, لحظة الذكرى المؤلمة لحلمكَ الذي لن يتحقق, لحلمكَ الذي مات على الوسادة قبل أن تستيقظ حتى!.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *