لدي مسبحة صغيرة لا أدري عدد خرزاتها ، لكن ثمة واحدة منهن كانت بحافة منتأة ظلت تأكل من سمك الخيط حتى انقطع البارحة وتبعثر سندلوسها على كل ساحة الشرفة التي هي صومعتي ومرقابي الذي انولدت فيه ألف قصة وحكاية وحلم يقظة لذيذ .
ما تبقى بيميني هو الخيط المقطوع وبرأسه من جهة الإبهام كركوشة جميلة نسجت على شكل أخيتها التي كانت تزهو بيد أبي سعد الأنيق بمقهى حسن عجمي العزيزة .
تحت المنضدة وبين سيقان الكرسي تجمعت أزيد الخرز الهاربة من محبسها القاسي ، وبدا التقاطها سهلاً وسلساً ولم يكلفني مثقال وجع بحبل الرقبة وكدمة قد ينتجها ارتطام يافوخ الرأس بحافة المائدة .
تحت سريري الوصواص الهزاز عثرت على حفنة جديدة من الهاربات الغارمات ، صحبة ذبابة جافة وقطعة نقدية من صنف المائة فلس وجوراب منفرد معقوف على نفسه يكاد يكفي لإسعاد جندي أكلت قدمه الحرب .
خرزة يتيمة نامت على رف الكتب تشبه تماماً الخروف الذي لمع بعينيه ساطور القصاب فهرب واحتمى بظهر جدي ولم يبرح ملاذه الأمين حتى عاد الذباح الى دكانه بأجر تام .
ثلاث خرز كانت مختفية بالساقية التي يسير فوقها باب الشرفة ، وثمة شعر رأس شائب متكور كأنه لفة خيوط بائتة أسفل منوال الحائك . حدوسي الرائعة قادتني صوب خرزتين كانتا تتسامران وتتهامسان ببطن قندرتي المتروكة تحت السرير .
بدا لي أن عدد الخرزات كان على منقصة بائنة ، والخيط لا يمكن لحمه والطقطقة ما عادت مجدية والمزاج ليس في طور البناء والترميم .
حملت هذه الخلطة العشوائية الجديدة بكفي ووضعتها بكأس فارغة وشتلتها فوق مائدتي ، وابتداءً من هذه اللحظة الشاسعة ، صرت أفكر بالعودة الى بغداد والذهاب إلى سوق هرج الميدان ، حيث دكان حجي ابراهيم الضئيل الذي يبيع الأحجار الكريمة ويلمّع الخرز الميتة ويصنع لقلبك طمأنينة مضحكة ومسعدة كقميص عيد بديع .