الثقافة روح تطور الإنسان، فحيثما عاشت ثقافة حية في نظرتها للحياة وقيمها الانسانية ومعارفها ومهاراتها وسلوكياتها ومواقفها، حيثما زهت الحياة وازدهرت. فالثقافة اذن نشاط واع متأثر بحاجات الحياة ومؤثراً في اتجاه اشباعها وتطورها. وهي بالتالي تتعامل مع روح الانسان وعقله وقلبه وجسده وأحاسيسه كي تستجيب لها، من جهة، وتنميها من جهة أخرى.
وحيث ان الانسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يجد في العادة، كيانه وسعادته الا من خلال عيشه مع الآخرين من بني جنسه، وهو بذلك سيجد نفسه يتعامل ويسعى للتعايش مع ثقافة مجتمعه، متأثراً بها ومؤثراً فيها.
والثقافة باعتبارها فعلاً ونشاطاً انسانياً يحكمها كذلك طبيعة النظام السياسي والقضائي الذي يقوم على ادارة المجتمع. فالنظام السياسي الليبرالي هو غيره النظام الثيوقراطي أو الشيوعي أو القومي أو الاقطاعي او الديكتاتوري في تعامله مع نوع الثقافة في صانعيها ونتاجاتها ومؤسساتها، بسبب اختلاف طبيعة تلك الانظمة وأهدافها وميكانيكيات عملها.
بيد أننا ولأسباب مختلفة، نقع على انماط من الثقافات ممن لا لون له ولا طعم ولا رائحة في أهدافه او ابداع ادواته، وهو ما ينعكس، بالطبع، في جدواه الاجتماعية ومساهمته في تطوير المجتمع، والطامة الكبرى هي ان ممارس هذا النمط من الثقافة، ولأسباب مختلفة كذلك، لا بدرك أو لا يريد ان يدرك، ان ما ينتجه من “ثقافة” لا يتعدى اضاعة للوقت وخداع للذات! من ناحية اخرى لا بد من الحديث كذلك عن اولويات انواع الثقافة المرحلية التي يحتاجها مجتمع ما من أجل تجاوز تخلفه وبالتالي تطوره. وهنا تظهر لدينا اشكالية الحرية التي لا يمكن تجاوزها في فعل الابداع، وعلينا التعامل الواعي معها، هذا اضافة الى النرجسية التي لا يمكن قمعها كذلك في الخصوصيات النفسية لبعض المبدعين من المثقفين.
برلين، ٢٧/٨/٢٠٢٢