بالرغم من انطفاء نيران الأزمة ، لكن جمرا مستعرا مازال تحت رمادها ، خلفته ليلة مشؤومة كادت أن تتجه بالبلاد الى كارثة ، لولا أن تداركها السيد مقتدى الصدر بحكمة بالغة ، فلولاه لتحقق هدف احراق الجنوب الذي خطط له الأعداء بعد ان أحرقوا مناطقنا الغربية من الموصل الى الأنبار ، فلا يراد لهذه البلاد أن تستعيد عافيتها ، بل أن تظل عليلة لا تقوى على شيء ، وهذا لن يحدث الا بنظام سياسي هش وعملية سياسية مشوهة ، وديمقراطية زيفها أكثر من حقيقتها ، ونجحوا في الحياكة ، ما أتاح لكثير من المغامرين والفاسدين وأعوان المقاولين والممتلئة قلوبهم بالضغائن تسيّد المشهد واعتلاء المناصب ، بشكل قُطع فيه الطريق على أية محاولة للإصلاح الذي رسمت له بالأصل مسالك معقدة فيما اذا توافرت الارادة ، ولم تتوافر فتراكمت أحجار العثرة في طريقه ، كتشابك المصالح وحلاوة السلطة وبريق الوجاهة .

لن يخفت هذا الجمر الذي ازداد توهجا بالأزمة الأخيرة مالم يتحقق الاصلاح الذي طالبت به الجماهير منذ سنوات عديدة ، وبدأته بأصوات هادرة ونوايا صادقة اريد بها استعادة هوية مفقودة وكرامة مهدورة ، لكن نظر اليه كمؤامرة ، والمطالبين به خونة ومن أبناء السفارات ، فصوبت البنادق الى الرؤوس لتغتال خيرة شبابنا .

وما جرى لاحقا وبكل التغييرات الشكلية التي حدثت ، لم يكن سوى ترحيل للأزمة ، لتتمظهر من جديد بالأزمة الأخيرة التي فقد طرفاها السيطرة عليها ، ولو لم يكن التيار الصدري منضبطا وله قائد واحد لرأيتم بحر الدم . ومع ذلك رحلّت الأزمة أيضا الى القادم من الأيام بعد ان منيت ادارتها بفشل ذريع لعدم ادراك موقفها ، والاتجاه بها الى مسارات أبعد ما تكون عن حقيقتها .

ومع ان الاصلاح عنوان عريض يراد به تحسـين النظـام السياسـي وتجديــد الحيــاة وصـيغها الدسـتورية والقانونيـة بمـا يضـمن توافـقا عامـاً على الدسـتور وسيادة القانون وفصل السلطات وتحديد العلاقات بينها . وأول ما يستوجبه الاصلاح وجود فساد ، والفساد في بلادنا وصل الى الهامات ، وبلغنا فيه مراتب متقدمة لم يسبقنا اليه أحد حتى لم يعد الفاسدون يستحون من الحديث عنه أمام الرأي العام . والاصلاح تبديل السيئ بالحسن ، وليس في بلادنا مجال يمكن وصفه بالحسن ، فالخراب طال كل شيء ، حتى لم نعد نُقارن بأكثر البلدان تخلفا ، من هذه الجوانب تكتسب دعوات الاصلاح شرعيتها ، لذلك كل من يقف في طريق الاصلاح فاسد ،. ويفتقد للروح الوطنية كل من يرضى او يغض الطرف عن هذا الواقع المزري ، وليس عراقيا حقيقيا من يغلّب مصالح الغير على مصالح وطنه ويفرط بدماء اخوانه .

واذا كان الاصلاح يعني التعديل والتطوير والتقويم ، فما الذي يستوجب اصلاحه ؟ لا أظن أحدا من السياسيين لا يعرف أين تكمن مواطن الخلل في العملية السياسية الجارية ، أجزم بأن الكل يعرفها ، بل أصبحت وبحكم التجربة معروفة لأبسط الناس ثقافة وتحصيلا ، ومع ذلك لم نسمع من القوى السياسية أية دعوة للإصلاح ، بل سمعناها من الناس ، بالرغم من ان القوى السياسية هي نفسها التي تدير العملية السياسية منذ بدايتها وحتى الآن ، ما الذي يحول دون ذلك ؟ ، بالتأكيد هو الفساد ، ما يعني ان الجميع شركاء بالفساد بشكل او بآخر ، لأنهم شركاء في ادارة الدولة ، بدلالة ان أي من هذه القوى لم تكن في موقف المعارضة طوال عمر العملية السياسية ، وما كان للفساد أن يستشري لولا المحاصصة التي هي شر البلاء ، ولطالما شكى رؤساء الحكومات منها ، لكن لم يتخذ أي منهم اجراء للتحرر منها مع وعدهم بالضرب بيد من حديد . وهذه أول ما يجب التخلص منه ، لذلك لا قيمة لحل البرلمان او اجراء انتخابات او تشكيل حكومة دائمية او انتقالية مالم نرسم خرائط مقترحة للإصلاح لتكون موضوعا للنقاش في أي حوار مرتقب ، ان لم يزيف الموضوع برمته.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *