بقلم | الكاتب نصير جبرين
نحتاج إلى صعقةٍ كهربائيةٍ للعقولِ المتحجرةِ التي بطبعها تعشقُ أنْ تكونَ عبيدْ تُستغل منْ قبلِ رجالِ الدينِ وطواغيتِ الحكمِ أكاد أحكمُ أنَ هناكَ علاقةُ جدليةٍ بينَ عبوديةِ الفكرِ وعبوديةِ الواقعِ . إذْ كيفَ لي أنْ أتصورَ إنسانا مستعبد الفكرِ يمكنُ أنْ يتحررَ ، بلْ يمكنُ أنْ يفهمَ معنى الحريةِ أصلاً . وهذهِ الدوامةُ أحكمتْ حدودها على أيِ قانونِ منْ قوانينِ التقدمِ في مجتمعنا ، وشكلتْ جدرانا فولاذيةً عاليةً بيننا وبينَ الحضارةِ ، منْ جهةٍ ، وبيننا وبينَ إنسانيةٍ الإنسانِ منْ جهةٍ ثانيةٍ . لهذا ألاحظُ أنَ مجتمعنا استمرَ ينتجُ العبيد جيلاً بعدَ جيلٍ ، وتزدادَ هذهِ الصورةِ قتامةً في زمنِ الاستعمارِ والطغيانِ والحكوماتِ المتجبرةِ ، التي تأكدَ لكلٍ فاحصٍ لثنايا التاريخِ أنَ أيَ منفلتٍ للإنسانِ ( فكرا وواقعا ) نحوَ الحريةِ يشكلُ خطرا جسيما على بناءاتِ الطغيانِ والاستعمارِ وسيطرتهِ على الشعوبِ ومنها شعبنا وبالذاتِ في هذهِ المرحلةِ العصيبةِ . أنَ عبوديةَ الفكرِ تتجلى أولاً بالفلسفةِ الجبريةِ التي محقتْ الإرادةُ والذاتُ والعقلُ الإنسانيُ محقا . وكبلتها بطروحاتٍ دينيةٍ تخثرتْ في تاريخٍ منقوصٍ الحركةِ منْ العقائدِ الرثةِ التي تأكدَ للباحثِ دورَ السلطانِ المتجبرِ في نفثها كما السمُ في عقولِ الجهلةِ والمتنازلينَ عنْ إنسانيتهمْ ، والعاجزينَ عنْ التفكيرِ السليمِ والإدراكِ الأصوبِ لحقائقِ العقيدةِ الدينيةِ . وأنَ عبوديةَ الفكرِ تتمثلُ في ذلكَ الاستلابِ المهينِ لحقوقِ الإنسانِ ، لاسيما حقهُ في الحياةِ الحرةِ الكريمةِ التي تليقُ بهِ كأرفع مخلوقِ ربانيّ . وهنا أركزُ على ما للفقرِ منْ دورٍ في عبوديةِ الفكرِ ، ذلكَ الفقرِ الذي كثيرا ما ارتبطَ بالجهلِ والمرضِ وتحطمٍ بلْ إعدامُ الإرادةِ كيْ يحققَ سيطرةً كاملةً على أيِ خطوةٍ منْ خطواتِ الانعتاقِ نحوَ الحريةِ أوْ نحوَ جانبِ منها في الأقلِ . وهنا نلاحظُ أنَ سلطةَ الطغيانِ تحرصُ بكلِ الوسائلِ على إفقارِ الناسِ الذينَ تخشى منْ تحررهمْ ، وإغناءُ الناسِ الذينَ ينضوونَ تحتُ لوائها ممجدينَ لأفعالها منفذينَ لحزَ سيفها لرقابِ الناسِ الفقراءَ . ومنْ هؤلاءِ رجالُ الدينِ ، ومنْ تبعهمْ منْ أصحابِ الأقلامِ الأجيرة الرثةِ الذينَ صاروا في يومنا هذا يملئونَ السوقُ بكتبِ الرثاثةِ التي تعلمَ الناسُ طريقَ الاستعبادِ بدل أنَ تعلمهمْ طريقَ الحريةِ ؛ منْ الذينَ يملئونَ عقولُ الناسِ بالخرافةِ والأباطيلِ وتكفيرِ كلِ منْ لا يؤمنُ بها وإطفاءِ أيِ ومضةٍ منْ نورٍ على طريقِ الهدايةِ الحقيقيةِ لدربِ الحريةِ والانعتاقِ المجيدِ . فهلْ يتحررُ عبيدنا ؟