أثير لغط كبير حول القمة العربية المقبلة في الجزائر، وجرى الكلام عن ملفات خلافية منذ شهور، بقصد حسمها في اجتماعات القمة، واتضح ان هناك عدم توافق على الكثير من تلك الملفات منها مثلا عودة سوريا الى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية وحرب اليمن ووضع ليبيا وسواها، وذهبت التسريبات الى ان الاحتمال وارد وقريب في تأجيل موعد القمة وربّما المضي الى إلغائها.
متى كان الواقع العربي خاليا من الخلافات لكي يقولوا ان القمم مرتبطة بنفوس صافية لا تكدرها مشكلات سياسية؟
صحيح القول في انّ لكل قمة معوقاتها ومنغصاتها لكن ذلك لم يمنع العرب من عقد قمم سابقة. كما انَّ القمة العربية ليست الموعد الناجز لحل الازمات وتصفيتها، لكنها مواعيد مرتبطة بما أقره الزعماء العرب في العقود الماضية، بما يشبه الموعد الدستوري لاستمرار عمل الجامعة العربية، وذلك ملف اخر من ملفات ترهل القرار العربي وعدم كفاءته.
إزاء هذا الواقع العربي المتشظي، هناك حد أدني من التوافقات التي تمنح الشرعية لعقد القمة العربية، وهذا الحد الأدنى لا يليق بالعرب بعد عقود طويلة من أعمار دولهم الحديثة، لكنّه الواقع المتاح الذي يجب ان تتأسس عليه الرؤى المشتركة.
على سبيل المثال، كان حل الازمة الخليجية عبر المصالحة في قمة العلا بالسعودية بابا نحو العودة للتضامن العربي فوق مساحة محدودة هي المصير المشترك امام تحديات إقليمية وعالمية، ليس لأية دولة ان تكون بمنأى عنها، وانّ التضامن وحده يقوي إمكانات التعامل مع أزمات دولية تواجهها المنطقة، لكن ذلك لا يعني انّ الرؤى توحدت الى حد التطابق بين زعماء دول الخليج في حسم الخلافات المزمنة، بيد ان ذلك كله مرحّل الى العلاقات الثنائية بين الدول وتقديراتها الخاصة. وكذلك قمة الجزائر سيكون حملها ثقيلاً، غير أنّ علامات التعاطي الإيجابي للجزائريين في توجيه الدعوات الى جميع الدول بمصاحبة المشاورات الضرورية بشأن الإشكاليات سيجعل عقد قمة الجزائر أمراً ممكناً وناجحاً أيضاً، في حدود تفاهمات تراعي توحيد الجهود لتحقيق مسار جدي في التعامل مع الأزمات التي تعكر صفو الدول العربية، وتتخللها اتهامات متبادلة بين العواصم بشأن مصالح متضررة.
لعل مجيء القمة العربية في وقت الازمات افضل من أوقات أخرى، لكي تكون مواجهة الملفات ذات اثر فوري في المعالجة، والإفادة من أخطاء القمم السابقة التي تركت المجال واسعا لنمو مشكلات، ربما استجد بعضها داخل اجتماعات القمة ثمّ تفاقمت بعدها .