تبخّ المدينة مطرا خفيفا على جلدها
لتعالج خطوات متقرّحة
وعثرة عجوز
كاد أن يُسقطها،
وهي تنزل من الباص،
مراهق يركض خَلْفَ.. وهم صغير !
تبخّ المدينة
جلدها
بمطر خفيف
لتُخفّف من احمرار المُشاة على أرصفتها؛
هكذا وصف، لها، العلاجَ
عَطَشٌ خبير في أمراض المدن !
تبخّ المدينة مطرا خفيفا
على جلدها
فيختبئ قطّ داخل حاوية قمامة
بينما الأشجار
تواصل تسكّعها على الأرصفة
دون أن تطمئنّ على العصافير التي تدسّها في جيوبها !
تبخّ المدينة مطرا خفيفا
ونحنُ
الذين لا نصدّق وجوهنا في المرايا
لا مواعيد لنا
لننبُت حزنا بين الأسامي التي لا تحمل معنى الحزن،
لنُصدّق ثرثرة البُنِّ في قيعان الفناجينْ،
لنذهبَ
بأصوات فارغة من الصّراخ
إلى
حفلة يقيمها اللّه على شرف الموتى الجُددْ
ولنكبُرَ
مقابرَ جديدة
خارج المدينة…
في حاوية القمامة،
يحرّك القطّ ذيله.. ولا يموء !
أنا.. لا ذيل لي.. لأحرّكه
فأموء
كقطّ يختبئ من المطر.. داخل حاوية قمامة !
تبخّ المدينة مطرا خفيفا؛
على بعد شجرتين منّي
تُصاب شجرة بنوبة ضحك
فتسقط على الرّصيفْ
وعلى بُعد مشهد منّي
يلتهم الموت طفلة كانت تبحث، لأبيها، عن علبة من سجائره المفضّلة !!
يحرّك القطّ ذيله بعصبيّة مفرطة
ويموء.. يكاد يصرخ.. يكاد يشتم !
أمّا أنا.. فأصمت، تماما، كقبرْ؛
يحوقل النّادل،
يركض روّاد المقهى نحو الشّجرة.. نحو الطّفلة.. نحو القطّ الذي مازال يشتمُ
وسماء المدينة تشقّ ثوبها الرّماديّ فتكشف عن
لحمها الأزرق !
تبخّ المدينة مطرا خفيفا على جلدها
و في قاع فنجان القهوة
لا أرى البنَّ و لا وجهي !
في المقهى،
لا أرى الرّوّاد، لا النّادل، لا الطاولات و لا الكراسي !
على المرايا، لا وجه لي !
صنبوران مفتوحان.. عيناي،
صوتي يعجّ بالصّراخ
و أنا
الذي مازلتُ أتّسع لوِحْدَةٍ غير وِحْدَتِي
كنتُ
أوزّع على الزّبائن ثمرة صدري الوحيدة
وأطفو.. وأعلو
و أبكي.. و…
هكذا أخبرني
النّادل
حين ِالتقيته، بعد سنتين، يحمل بين ذراعيه مطرا خفيفا
في حفلة
أقامها الله على شرف
الموتى الجددْ !!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *