بقلم | ناجح صالح
أجمل ما في حياتها أنه كان يأخذها معه الى الريف كل ربيع ، والربيع بالنسبة اليها كأنه حلم بدفئه وسحره وجماله .
سبع سنوات مضت كأنها سبعة أيام ، لكنه اليوم ليس معها .. زوجها الذي خطفته يد المنون على حين غفلة من الزمن بيد آثمة مجهولة ، راعها ما رأت لتفقد كل الآمال التي تعيش من أجلها ، لم يكن زوجا فحسب ، كانت ترى في عينيه الرجل الذي يظللها بعطفه وحنانه ، أحبته منذ الصبا وبادلها هو الحب ، اذ كانت تنتمي اليه برابطة دم أقرب ما تكون الى بدنها والى مشاعرها أيضا .
غير أن ما كسر شيئا من الحزن هو الطفل الذي أثمر بعد اقترانها به .. كانت ترى فيه صورة ناطقة لأبيه ، ومع ذلك فان الشعور بالوحدة كان يرافقها طيلة الوقت .
وتطوف بها الذكريات الى آخر ربيع كان فيه معها في تلك النزهة المعتادة الى أحضان الطبيعة .
لم تكن المواسم الأخرى تجلب انتباهها فكانت على الدوام تنتظر الربيع على أحر من الجمر .
وكان شتاء ذلك العام مثقلا بالسحب فترفع رأسها الى السماء متمنية أن يهطل مطر غزير فلا يخيب ظنها .
فلما أقبل الربيع كانت الأرض مخضرة اخضرارا أجمل ما يكون ، والعشب قد نما وارتفع ساقه ، أما السماء فكانت برمتها زرقاء ومن خلالها تنحدر أشعة الشمس بلونها الذهبي الدافيء.. يا له من ربيع ذلك الربيع الفائت ، أعطاها سعادة لا توصف وفرحا ارتسم على ملامح وجهها ليزيدها اشراقا ، وكان هو يحادثها الحديث الذي ترتاح اليه نفسها ، خارجا من أعماقه رقيقا ناعما يمس القلب مسا حلوا .
وكلما اختلست اليه نظرة وجدته هائما في دنياها يحتويها في قلبه .
انهما عاشقان يتجدد عشقهما وسط أجواء آسرة وكأنهما في عرس دائم .
قال لها يوما وهما يفترشان الأرض الخضراء :
– أيتها الحبيبة عرفتك وأنت صغيرة وما زلت أراك في عيني صغيرة غير أنك تبدين أكثر سحرا وجمالا فأي حب هذا الذي يلامس قلبي وأي نار لا تريد أن تنطفيء.
ازدادت غبطة وهي تقول :
– أيها العاشق كفاك غزلا وهياما .
– لا ..دعيني أفصح عما يخالجني من مشاعر هي جزء قليل مما أبوح لك به ، آه لو تعلمين بأنك أقرب الي من نفسي وأني أفتقدك في كل ساعة حتى وأنت معي فكيف اذا فارقتك !
– لن تفارقني ، ها أنا قريبة منك طوع يديك ، بل روحك التي بين جوانحك ، أنا الأخرى أيها العاشق لا أطيق فراقك ساعة واحدة .
ان السنوات السبع التي عاشتها معه هي نبض حياتها ، هي أحلامها وأمانيها وطموحاتها .
الحلم نفسه لن يكون أجمل من الواقع الذي تحياه ، ماذا تريد أكثر من قلب يخفق لها كل لحظة ! ها هي تلمس كل ما يمكن أن تلمسه بين أحضان الربيع وعشق الزوج ، فأي حياة أكثر اشراقا مما هي فيه !
لعلها تريد أن يتوقف الزمن على تلك اللحظات الجميلة فحسب ، لعلها تريد أن يغمرها الاحساس بالأمان ما دام ظله يحتويها .
ذكرت ذلك كله تحت وطأة الحزن الذي أطبق عليها بجناحيه ، ذكرته لأنه كان جزءا غاليا من رحلتها ، فأي ربيع بعده تنتظر والزوج غائب لن تكتحل عيناها برؤيته مرة أخرى على الأقل فيما تبقى من عمرها الذي لا طائل أن تعيشه وهي مهيضة الجناح مرتاعة ضائعة مقهورة .