الفردُ في مجتمعاتِنا الدينية يعتقدُ أصالةً أنّه مركزُ الكون ونهايةُ العالَم ، أي إنّ كلَّ شيء أو عمل رأي ما من قِبَلِ الآخَر ، هو بالضّرورةِ مؤامرةٌ تُحاكُ ضدّه ، وكأنّ أنظمة الكون جُلُّها لا شُغلَ لها ولا شأن ، إلا محاولةَ جعلهِ يشكّ في معتقداتهِ ! .

فالكثيرُ منّا يتصوّر أنّ ( تشارلز داروين ) فرَضاً استيقظَ ذاتَ صبَاح وبعد أن شربَ قهوته جلس يفكّر قائلاً : كيف أجعلُ المؤمنين يشكّكون في إلهِهم ؟ فاخترعَ لأجل ذلك (نظرية التطور ) المشؤُومة ! لكنّ الأمرَ ببساطة أنّه لاحظ مجموعةً من الظّواهر الطبيعية وسعى لحلّ اللّغز الكامن وراءها في نظريةٍ حاول من خلالِها ربطَ هذه الحقائق ببعضِها . والأمرُ كذلك مع الآباء المؤسّسين للولاياتِ المتحدةِ الأمريكية حينَ سنُّوا قانون ( حرّية الأديان ) وفصلُ الجانِب الدينيّ عن الإنسانيّ ، فلم يكُن هدفهُم تفريغُ الإسلام من محتواه – هذا إذا كانوا يعرفُون ما هي الديانةُ الإسلامية من الأساس- وإنّما كان قرارُهم هذا بناءً على تجارِب الحداثةِ الأوروبية .

مُلخّصُ الحكايةِ أنّك لستَ مركزَ الكون ، والتاريخُ لا يدورُ حولَك ، وإنّ الذين تعتقد أنّهم يحيكُون المؤامرات حولَك وعليك ربما لم يسمعُوا أصلاً بوجودِك أو يفقهُوا أثرَك ! .

إنّ الأممَ المهزومة ثقافيًّا وفكريًّا وعسكريًّا بسببِ عدمِ القدرة على مجاراتِ الحداثة تصنعُ من أوهامِها انتصارات ، ومن مبادئِها بُطولات ، وكأنّها مركز العالم ووجهته الفريدة ، كم هو ساذجٌ أن يكونَ فرضُ الحجابِ بالقسوة وإقامةُ الحدودِ بالقوّة وجَلدُ نساء أفغانستان مثلاً بطُولة، كم مُهينٌ أن يحتفلَ مليارُ إنسانٍ بنصرِ طالِبان وفرضِ دكتاتوريّتها على الأفغانِ المساكِين ! أمريكا صنَعت نفسَها بالعلم والعمل و القانون و الصناعة ، أمريكا سقَطت أبراجُ التجارةِ العالمية على أراضِيها لكنّها عادت أكثرَ قوةً وأشدّ صلَابةً ، الهزيمةُ لا تكونُ إلّا من الدّاخل ، نحنُ لا أعداءَ لنا خارجَ حدودِنا ، فعدوّنا الوحيد يسكنُ في أفكارِنا ، ومَن نعتقدُ أنّهم أعدائُنا بإمكانِنا في الواقع إذا ما تخلّصنا من جهلِنا أن نجعلَ منهم أقربُ أصدقائٍنا

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *