كلما تذكرتُ حكايات والدتي رحمها الله وهي تحكي لنا حينما كنا صغار حكايات خرافية خيالية لكنها تحتوي بين طياتها عشرات الامثال التي من المؤكد ان راويها الاول يهدف الى ارسال رسائل حياتية لكل من يسمعها او يطالعها يوما ما . من بين تلك الحكايات حكاية المرأة العجوز التي كانت تحمل كل يوم على كتفها جرتان مثبتتان في عصا طويلة على كتفها , كانت تملأ تلك الجرتان بالماء كل يوم من النهر البعيد وتجلبهما الى بيتها. احدى الجرتان كانت مشروخة قليلا وينسكب المال القليل من ذلك الشرخ على الطريق الترابي الطويل. حينما تصل العجوز الى بيتها تكون الجرة المشروخة قد فقدت نصف محتواها بينما تكون الاخرى سالمة مليئة بالماء دون ان تفقد قطرة واحدة. استمرت تلك الحالة الى زمن طويل لدرجة ان الجرة المشروخة اشتكت الى العجوز حزنها وهمها والمها لانها لم تكن تؤدي عملها بشكل دقيق وان الجرة الاخرى تعمل بطريقة سليمة مئة في المئة. ابتسمت المرأة العجوز وقالت لها بسعادة ( هل تعلمين ان اثرك على الحياة هنا بصورة عامة والقرية او المدينة بصورة خاصة افضل بكثير من الجرة الاخرى السليمة التي لم تفقد قطرة واحدة من محتواها طيلة تلك الفتيرة الطويلة. انظري الى هذا الطابور الطويل من الازهار الممتد على جانب الطريق من فتحة المنبع الذي اجلب منه الماء الى باب الدار ..ازهار وورود ونباتات تتمايل مع النسيم كلها تتغذى على تلك القطرات التي تسقط كل يوم من الشرخ الصغير في جدارك السمين. انت عطاء لاينضب لمخلوقات كثيرة هنا. انا ايضا اقطف كل يوم عدد من هذه الزهور واضعها في البيت لدرجة ان بيتي صار كأنه بستان من ازهار مختلفة. الجرة الاخرى بخيلة لاتمنح اي عطاء لاي مخلوقٍ على هذه الارض ..صحيح انها تمنحني الماء لكنني شخص واحد فقط وكانها انانية في عطاءها. ) ..منذ عام التغيير قبل عشرين عاما لو كان الاغنياء من البرلمانيين ومختلف المواقع الرسمية المختلفة في الدولة العراقية يمنحون البلد قطرات منتظمة كل شهر من رواتبهم و مخصصاتهم العملاقة لكان العراق قد تحول الى جنة يحسدنا عليها كل من يسكن على هذه الارض في هذا العالم الكبير لكن المشكلة كل الفئات تسرق وتحتال على ميزانية الدولة وكل مسؤول يغترف لنفسه وعائلته على امل الهروب يوما ما الى بقعة اخرى من بقاع هذا الكوكب ويتركون العراق وابنائه خاوي الوفاض ..الفكرة بسيطة جدا لكنها عميقة في منظورها الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي. سيظل العراق متصحر يشكو العطش لكل انواع الزهور التي تحتاج الى قطرات من مالٍ او ماء يجعلها تمنح هذه الارض الطيبة سلاما وعشقا وتقدما ..سننتظر مع المنتظرين من يدري لعل الزمن يغير كل شيء ..ولعل ارض هذا الوطن الجميل تتحول الى مروج خضراء يوما ما …من يدري كل شيء ممكن اذا كان هناك شعور بالامل ينبع من نفوس العراقيين البؤساء

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *