جاء السوداني للرئاسة بعد مخاض وصراع عسير كاد أن يذهب بنا للمجهول ، وكل المؤشرات السياسية والحكومية والشعبية وحتى الحزبية والكتلوية تشير الى ان السوداني نظيف اليدين وطني الانتماء عراقي الولادة والتكوين ومخلص الأداء وشجاع الإرادة ، هذه المواصفات يحتاجها العراق والمواطن ، سيما بعد الاجتياح الاجباري لعناصر الرشوة والنهب والتخلف في مؤسسات الدولة ، وهي ولادات طبيعية لمكونات العمل السياسي المحاصصي المذهبي .
المخلصون يدركون ، بان التركة ثقيلة ومخلفات السنوات العشرين الماضية ، جردت العراق وشعبه الكثير من استحقاقاته في النمو والبناء والنهوض والتطور ، وهي من أهم ضرورات الخطوات الأولى نحو العصرنة واللحاق بركب الكونية المتطورة ، ولكن هذا الذي حدث ، ولا يمكن أن يحدث غيره في أنظمة المحاصصة .
المهم الان جاء السوداني ، وطرح برنامجا واسعا طموحا ليس من السهل تحقيقه في فترة حكم قصيرة لا تتجاوز السنة بعدها تجري الانتخابات ، وبما إن الطموح حالة مشروعة ، والسوداني أراد بطموحة أن ينجز ما يمكن إنجازه من هذا البرنامج وبالنتيجة يصب في مصلحة المواطن ، وكان من بين ابرز تلك الطموحات هو محاربة الفساد وابعاد الفاسدين عن مراكز القرار و عن المناطق والدوائر والمؤسسات الرخوة التي يسهل منها العبث وسرقة المال العام .
نعتقد كما غيرنا بأن العراق لا يصلح ابداً للنظام المذهبي العرقي ، وقد عرف هذا الأمر مؤسسو الدولة العراقية الحديثة ، وإنما يصلح لنظام وطني تشارك في حكمه وبناءه وتطوره كل فصائله الوطنية ومكوناته الاجتماعية على أساس قاعدة المعرفة والخبرة وصدقية الانتماء والعمل لصالح الوطن والشعب.
وعندما نقول ذلك لا يعني هذا ، الطلب من السوداني تغيير هيكلية النظام ، فهذه المسألة تحتاج الى وعي شعبي ونهوض وطني مثلما حدث بعضه في انتفاضة تشرين ، وإنما ما نريده من برنامج السوداني الواسع والمهم هو محاربة الفاسدين وكشف الجهات المحركة لهم وعودة الأموال التي سرقت حديثا والبالغة مليارين وسبعمائة مليون دولار وكشف السارقين والجهات المساندة لهم ، والعمل بالنهوض بالعملية التربوية وإعادة الاعتبار للتعليم كونه أساس التطور و تشغيل المصانع والمعامل المتوقفة عن العمل وإعادة هيكليتها بأجهزة حديثة وهي الاف المصانع وفي مختلف الاختصاصات ، وتحديث وزارة الصحة وابعاد كل السيئين والمتلاعبين بمؤسساتها ، التأكيد على الخلل ومحار,بته بقوة الحاكم العارف في وزارة الكهرباء ، لأنه ليس من المعقول أن يصرف على هذه الوزارة حوالي (80) مليار دولار وهي لازالت في أوضاعها البدائية المرهقة للشعب والاقتصاد ، وتطوير الزراعة وتحديثها بالمكننة الحديثة ، واستغلال المياه الى اقسى حد ومنع تبذيرها والتلاعب بالأنهر والسدود والاروائيات والبزول ، والعمل بشكل جدي مع تركيا وايران وتوظيف قوة العراق ومصالح هاتين الدولتين في المناقشات والحوارات للحصول على حقوق العراق المائية ، وتشغيل اعداد من العاطلين عن العمل ووقف زحف الفقر في المحافظات والمدن العراقية ، كما لابد من تمتين العلاقات العربية مع العراق وتنشيط الحوار السعودي الإيراني بحضور عراقي والاستفادة من الاستثمارات العربية وتسهيل القوانين لها . والاهتمام الجدي بالتعليم الوسطي الميكانيكي والكهربائي والإداري والهندسي الحكومي كونه الجهة المهمة في رفد القطاعين العام والخاص بالكوادر المتعلمة ، لو التفتت الحكومة الجديدة في اصدار قانون الضمان الاجتماعي وتشريعه من البرلمان وتنفيذه تكون من اهم الإجراءات التي اتخذتها ، والعراق بلد غني ومتمكن لاعالة العوائل والعاطلين عن العمل اسوة بالدول الأخرى ، بالتأكيد نجاح الحكومة في انجاز برنامجها ، مرهون بتضامن وتأييد ودعم القوى السياسية مجتمعه ، وعلى السوداني أن يضع ظهيره القوى الشعب حيث يلجأ له عندما يشعر بأن القوى والكيانات السياسية تعطل عمله الوطني لصالح المحاصصة والتوزيعات المذهبية والعرقية ..