البارحة،
قضَيْتُ، كلّ اللّيلة، معي !
هل تُصدّقين؟ !!
كنّا صامتَيْن
– أنا و أنا –
إلّا من تكتكات السّاعة ومن أصوات نقر أصابعنا على حوافّنا الباردة؛
كنّا صامتَينْ
و متقابلين
ككأسين فارغين عند طرفَيْ طاولة !
نعم؛
أنا لا أُنْكِرُ أنّي قدْ غَضِبْتُ منّي !!
بينما.. أنا،
أقسم لكِ،
أنّي ما قصدتُ السّخرية منّي، حين ضَحِكْت !
لقد كنتُ أُحدّقُ بي
وأحاول أن أتذكّرأين رَأيتُني، قبل البارحة…
حين تذكّرتْ
أنّي كنتُ أرَاني في عينيك
وأنّك، حينها، كنتِ تُخبرينني أنّي رجل مملّ جدّا؛
داهمني البكاءْ
لكنّي غيّرت الموضوع حتّى لا أُفسد مزاجي،
في الآخر،
فضحكتْ !
البارحة،
كنتُ أودُّ أن أُثرثر معي كثيرا جدّا
فقط، لأُثبتُ لكِ أنّي لستُ رجلا مملّا كما تزعُمين
لكنّي
كما أبي و جدّي
لم تكن لنا حروب نذهب إليها
لنعود، منها، محمّلين
بنصيبنا من الموت و من الموتى،
برصاصة قديمة في الكتف
وبحكايات البطولات التي
لم نرتكبها…
أنا، أيضا، كما أبي و جدّي
لا أذهب للحاناتْ
فكيف سأُحدِّثَني عن النّادلة الكسولة
وهي تلقم ثديها.. لحزني
حتّى يرضع و ينام
فيكفّ عن الصّراخْ
وأكُفّ.. أنا.. عن مناداتها
من أجل تنظيف الطّاولة
ولتجلب لي المزيد من محاولات الفرح؟!
بما أنّي لا أعود من الحانات
ثملا
ومفلسا
فكيف سأُصدّقُني
حين أحدّثُني
عن الحمار الذي كان ينبحُ.. خلفي
وطاردني على طول شتائمي للحكومة،
عن الشّجرة التي استوقفتني، فجرا، و طلبت منّي أن أُعيدها إلى رصيفها
لأنّها
كانت ثملة جدّا
لدرحة لم تستطع، معها، فتح باب المدينة و الدّخول
وعن الجدار
الذي مازال، كلّ ليلة، يتبوّل على قدَمَيّ و هو يغنّي
ويكتب
بالبول
اسم حبيبته على صدري؟ !!
يبدو الأمر مثيرا جدّا
حين تُحدّث رجلا لم يغادر قاعة وحدته
عن الجنس و عن النّساء
لكنّي
لستُ كأبي و جدّي
فأنا قد تجاوزت الأربعين بثلاثة انتحارات
ولم أتزوّج بعد !!
و كأبي وجدّي
لا تكبر النّساء،
في أصص غرفتي،
فيصرن غابات مطيرة
أو سماء
فتهطل أجسادهنّ السّاخنة على مزارع ذاكرتي
فيصير لي
حين تنام المدافئ
ما يشبه الحكايات الدّافئة!!
البارحة،
قَضَيتُ، كلّ اللّيلة، معي !
كنّا وحدنا
ولأنّي لا أُتابع الأخبار
ولم تعلّمني الأرصفة كيف أكون وطنيّا
لم أتكلّم معي في شيء !
فقط، سألتُني عن الوقتْ
فأجبتُني
وسألتُني: لِمَ أنتِ لَمْ تأتي إلينا، اللّيلة؟ !!
فلم أٌجِبْني
ثمّ تذكّرتُ أنّك قد أخبرتني أنّي رجل مملّ جدّا
فضحكنا
-أنا و أنا-
حدّ البكاء…