– أتكون عصبيا وانت أمامي؟ لا ينبغي لك هذا. قال الأخ الكبير.
– عندما ارسل لينين على مكسيم غوركي واصبح عصبياً متوتراَ امامه فان لينين لم يقل لماذا انت عصبي وانما سكت واستمع الى كل كلامه وكان متوتراً من الداخل لكنه ابتسم أيضا.
– وها أنا اسكت. أتقارنني بلينين؟
– بالطبع لا .
– ألا زلت شيوعيا؟
– لا. اعتاد الناس والحكام اطلاق هذا الاسم على المثقف لانهم يربون رفاقهم على الثقافة.
– من كلامك انت تناصرهم. ومعجب بطروحاتهم.
– ليست كلها وانما بفلسفة هيكل الى حد ما.
– تقرب مني ضاحكا وكنت اعلم انه مطالع جيد لفلسفة كارل ماركس .
– ان صراع المتناقضات يسري في دمك أو ربما تود الابتعاد عما تقوله حيث ذكرت “هيكل” بدلا من كارل ماركس. وهذه اوراقك تشير بانك شيوعي.
– أنا؟ لا. ابدا ابدا. ولو كنت كذلك لأجبتك وبكل بساطة.
وهنا ايقنت انها سيرة حياتي وبها الفترات التي قضيتها بالسجن والتقارير التي كتبت ضدي.
– أنا لست كما تظنون ولكني معجب بكلا الفلسفتين واحترمهما.
– لابد انك تعني المادية والمثالية. قال “الأخ الكبير” وأضاف: انك تجمع النقيضين. كيف يلتقي “ماركس” وفلسفته المادية مع “هيكل” وفلسفته المثالية. المادة أصل الفكر أم الفكر أصل المادة!!
– وهل هناك فرق بان المادة أصل الوجود وما العقل الا نتاجها وبين الايمان بان العقل اصل الوجود والمادة نتاجها؟ نأخذ من هنا وهناك فأنا اجمع المتناقضات واتحمل الجميع . المهم النتائج ، ومن حقي ان افلسف الأمور كما ارى. ثم نهض من مكانه وتقرب نحوي وقد لاحظت عمق نظراته .
– أنت تعلم الديمقراطية التي صنعتها لكم منذ أن اختارني الشعب لقيادته وأود ترسيخها وتعميقها لذلك أرسلت بطلبك.
– وأنا اشكرك. وأشرت لفنجان القهوة .
– أن نعمل حزبا نتعاون به لخدمة الشعب؟ قال ذلك لكنني لم أتوقع مثل هذا الطرح منه فقلت متسائلا:
– نعمل حزبا؟ وكيف؟ وهل أبيع بقية عمري وأمسح ماضيا افتخر به؟ كيف اتعاون لتشكيل حزب لمن يتوجس من أية إشارة يفهمها ضده؟ مستحيل. هذا مستحيل. ان أكبل نفسي وأكتم انفاسي وأخدع الاخرين. لا .لا. لن استطيع ابدا.
– والان دعنا من كل هذا.. أتملك سيارة؟ لا. فأنا لا احب القيادة.
– ولديك بيت؟
– أجل . صغير يضمني وابنائي.
– وراتبك التقاعدي؟
-قليل لكنه يكفيني رغم اني لم اسرق من أحد أو اخذ ديناراً من أحد. هكذا هي حياتي .
– تأمل بوجهي وركز على لحيتي البيضاء التي فارقها المقص فترة طويلة ، وعلى ملابسي ثم عاد وحدق في عيني وأشار لمرافقه وقال:
– حسنا. انتهت الزيارة..
ولكن المفاجأة كانت أكبر، عندما سُمِعًت طرقات على باب الدار بعد اقل من أسبوع حيث تأمل في وجوههم وقال:
– أنتم! تفضلوا فتشوا البيت وانبشوا اغراضه وبكل حريه. وخلصوني من قلمي ودواتي واوراقي..
– لا أستاذ . لم يكن لدينا أمر بما في بالك وانما وانما….
– وانما ماذا؟
– أن تأتي معنا.
– ولأي شيء؟
– قد تشرب القهوة ثانية.

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *