لم يكن الولد كثير اللحم والشحم عودة الطيب مثقفاً ، وهو من الصنف الذي ربما لم يقرأ كتاباً واحداً بحياته القصيرة حتى الآن ، باستثناء أجزاء قليلة من القرآن البديع التي كان يجبره على حفظها وترتيلها وأحياناً رسم بعضها على ورق فائض ، أبوه شيخ البلدة ومؤذنها وعاقد بعض زيجاتها الحلال . طرق بابي على غير عادته قبل انتصاف النهار بنحو ساعة ، وكان هذا الأمر يسبب لي كآبة صباحية مبكرة تجعلني أستقبل الطارق اللعين بوجه باهت لا يقطعه سيف وضحكة مجلجلة وكيس أسود تنام ببطنه زجاجة عرق من نوع حداد الذهبي .
هذه الازعاج لا يشمل زوجة الحارس والخادمة النازلة من درج البيت المقابل لغرفتي ، وطبعاً الزيتاوي صاحب المكان والزمان الذي أنعم عليَّ أول البارحة بلوحة مذهلة معمولة من خلطة ألوان حارة مفروشة على قماش يسميه الرسامون المهرة والجهلة على حد سواء بالكانفس أو القماشة .
لوحة امرأة هائلة بدت شرقية جداً كما لو أنها خرافة مستلة مما خفي من قصص ألف ليلة وليلة والعودة إلى مفتتح الصبا البائد .
قلت لأبي صخر إن اللوحة مدهشة وقد تصير كنزاً بعد خمسين سنة وراسمها الذي ترك توقيعه فوق ذيلها هو آخر ما تبقى من أنفاس وفرشاة جيل الرواد الرافديني العظيم .
ابتسم الزيتاوي الطويل وقال أن زوجته القادمة من حقل حنطة بعيد قد هددته بحرقها إن لم يخلعها فوراً من الحائط ، ويخرج بها بعيداً عن عيون الأطفال والضيوف والشيوخ الذين لو رأهوها على الجدار لقالوا لك ان بيتك مدنس ولا تجوز فيه الصلاة أبداً .
طرحت اللوحة على سريري البائس واسترخيت قدامها فوق الكرسي الصغير وفي إغماضة عجيبة كانت المرأة قد تحولت إلى سمكة هائلة تلبط بشبكة صياد ، وصار جسدي اليابس مثل ذئب شمّام يعوي فوق التلة العالية التي تغطس خلفها الشمس ويتكىء عليها بيت أبي عودة