جنة دلمون السومرية التي يعتقد الآن أن مكانها الافتراضي هو مملكة البحرين الحالية ، صنعتها اخيلة واحلام اهل أور والمدن التي اسست لمجد سلالات الحرف الأول وزقورته وأساطير الخلق ومسلات الحروب المنتصرة ، وهي جهة يفترضها السومري مكانا لخلود روحه وراحتها الازلية ،وقد اتت كمكان مثالي في سياق القصائد والاساطير والقصص السومرية القديمة ، وربما اهل سومر الذي صنعوا طقوس النذر البشري من خلال مراسيم الدفن في اقبية مقبرة اور الملكية حيث يعتقد السومري ان حياة اخرى تنتظره في سرمدية دلمون ،لهذا يرغمون الخدم والموسيقيين وحتى الكتبة والحرس بمصاحبة الملك او الاميرة المتوفاة شبعاد الى القبر حتى يكملون خدمتهم لهم حين يستيقظ الميت مرة اخرى ويجد دلمون امامه ، حدائقا وشرفات قصور سقوفها من ذهب وقرميد. هذه الرؤية تذكرتها اليوم وأنا اشاهد مراسيم استقبال قداسة البابا فرانسيس ، بابا الفاتيكان لمملكة البحرين ، واظن ان في مغزى الزيارة كما اعتقد هو الامتداد الروحي للمكان بين أور التي زارها قبل عامين وبين دلمون التي تضعها اور كمكان للحلم ، وبالرغم من أن دلمون لم تذكر في نص للديانات التوحيدية كمان للجنة ، اذن ان جنة التوحيد هي المكان المطلق الذي لأتذكر امكنته الجغرافية ، بل تذكر جهته في السماوات العلا وكما في القرآن انها جنة عرضها السماوات حيث ذكرت مكانا لخلود وازلية من آمن بالله واليوم الآخر (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ? عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ 108هود((.
أذن دلمون هي افتراض لمخيال كاتب الاساطير ومؤلفها ، وما ذكرته عنها كتب السماء هي جهة الحلم المؤكد التي لا تسكن فؤاد البابا فقط ،بل افئدة كل المرجعيات الروحية والفكرية للديانات التوحيدية .
ولكننا نضعها هنا في دالة ان البابا يُريد ان يُظهرَ لنا ضوء الخيط الممتد بين حضارات المكان الواحد ،ورحلته التي كانت الى اور هي رحلة سلام وتعايش ،واظن ان رحلته الجديدة الآن الى البحرين ( دلمون ) هي رحلة سلام وتعايش أيضاً ، وتنبيهاً آخرا لما يواجه العالم من مخاطر ، حيث يكاد ان يكون موج الخليج فتيلا قد يشتعل في اي لحظة والبوارج والمدمرات وحاملات الطائرات والزوارق المتهيئة للانتحار تبحر بدوريات مستمرة. ربما تكون الزيارة في جانبها الإيمانين جزءاً من ايصال موعظة لجعل السلام واقعا وليس حلما افتراضا كما صنعه اهل اور وهم يعتقدون ان المكان الخالد (دلمون ) لا يشيخ فيه الانسان ، ولا تذبل فيه الوردة ، ولا تبح فيه حنجرة البلبل. وينبغي ان تكون دلمون مكانا للأمان والسلام . ولأن الخليج العربي تقعان على ضفافة او قريبا منه اثار اور ودلمون وحتى لو كانت خرائباً منهوبة من قبل البعثات الاثرية ،فأنهما سيظلان مكانين لصناعة الحلم وتدوين رسائل السلام ضد العنف والحرب والتكفير.