من “الفنون” الإدارية لعرقلة عمل صاحب أي مشروع أن يتم إغراقه بمعاملات ورقية ومشاريع تشغله إلى حد يبعده عن التفكير بما انتدب نفسه له من مهام عمل رئيسة، وتتم هذه العملية بحجة إنجاز معاملات الدولة الورقية الإدارية والمالية…الخ من المصطلحات التي تضع المسؤول في خانة الإهمال وعدم الكفاءة في حالة عدم مجاراة مجموعة الإلهاء المدربة وتمتلك خبرة كبيرة متراكمة ومنطقاً منمقاً، لجر المسؤول بعيداً عن القضايا الكبرى ولفت انتباهه إلى قضايا صغيرة، كي لا تتم ملاحقة القضايا الكبرى التي هي أساس المشاكل التي تعاني منها البلاد.
وما صدر عن شركة نفط ميسان يؤشر ملامح إلهاء أو بالأقل المزايدة في الانجاز ضمن هذا السياق،إذ أشارت الشركة إلى أن أطرافاً في النزاهة نشرت خبر كشف اختلاس مبلغ مليار دينار في الشركة، وأوضحت أن هذه القضية في الأصل تعود إلى عام 2019، مما يثير الاستغراب في طرحها الآن!؟
وبالطبع في ظل ما نجم عن انتفاضة تشرين 2019، ومنهاج عمل حكومة السيد السوداني، باتت أطراف إدارية عديدة تعلن عن اجتهادها في ملاحقة قضايا الفساد، فما عاد يوم يمر إلا ونقرأ كشف ممارسات فاسدة…وهذه توجهات سليمة إن كانت عملية كشف جريمة الفساد قد تمت خلال هذه الأيام، أو أنها توبعت لتكشف المزيد من أبعاد الفساد والمبالغ المنهوبة الآن، لكن أن يجري الإعلان عن عمليات فساد تم كشفها قبل عامين وملاحقة المسؤولين عنها في حينه، يعني أن البعض يريد المزايدة على حملة محاربة الفساد ويدعي لنفسه المشاركة هذه الأيام، وإبعاد الأنظار عن عدم ملاحقة الفاسدين “اليوم” ومساءلتهم عما ارتكبوه من نهب للمال العام أو سوء الإدارة.
كما أن مهمة ملاحقة الفساد هي في الأصل ليست مباراة إعلامية أو دعائية يراكم فيها أي طرف موضوعات سابقة، إنما هي مسؤولية وطنية كبرى تستدعي أن لا يسعى البعض ليلمع نفسه في العودة إلى منجز في زمن ماضٍ…فهذا لا ينسجم وطبيعة المهمة.
أقترح أن تكون الإعلانات عن الكشف عن الفساد خاضعة لمنهج، وكما ردد غوار الطوشي في مسلسل تمثيلية “حارة كلمن أيده الو” أن لا يكون كشف من بلع ليرة موضوعنا، فيما لا تكشف “الأشعة” من بلع مليارات…
مطلوب الآن تأكيد مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء المراجعة بشفافية كاملة لكل من:
– عقود جميع الوزارات، بالأخص وزارة النفط وأسباب النسب العالية لحصة الشركات المشاركة من النفط المستخرج..لماذا كانت مبالغ مقطوعة وليس نسبة من السعر السائد، على اعتبار أن قيمة النفط متحركة، فلماذا تكون حصة الشركة المشاركة ثابتة؟
– عقود وزارة التجارة وحجم المواد التي تم استيرادها ورقياً لكن العراقيين لم يحصلوا منها على رغيف خبز واحد أو حبة رز أو سكر أو شاي منها.
– عقود وزارة التربية لطبع الكتب وبقية النشاطات التي تتولاها…وهل يتم من ترسي عليه العطاءات بطبع الكتب داخل العراق لتشغيل الأيدي العاملة والمشاريع، أم أنها ترسل للطباعة لدى الجوار؟
– عقود وزارة الدفاع يعمل عليها السيد وزير الدفاع بجدية مشكورا.
– عقود المشاريع في المحافظات التي لم تر النور، أو المتلكئة.
– عقود وزارة الإسكان والأشغال العامة، بالأخص المباني والطرق والجسور التي ما زالت بدون إنجاز، أو منجزة بعيداً عن أدنى مستوى من المواصفات الأصلية. ماذا عن مشاريع تكرير المياه التي نسمع بها منذ زمن لكن أزمة عدم توفر المياه مستمرة.
– عقود وزارة النقل، وبالأخص الخطوط الجوية والسكك، والأسباب الخفية وراء تعطيل اغلب طائراتنا المدنية للنقل، وبيع عبور أجوائنا بأتفه الرسوم مقارنة بما معمول به في العالم.
– ضمن مراجعة أداء وزارة النقل تحري معدلات الانجاز في ميناء الفاو الكبير، وحقيقة مقاولي الباطن، هل هم مؤهلون أم حصلوا على العقود لمحسوبيات سياسية وغيرها، على حساب واحد من أهم المشاريع المعنية بمستقبل العراق وسيادته.
– عقود تشغيل وتطوير مشروعي الأسمدة والصلب في البصرة وأسباب تلكؤها، وعدم تشغيل المشروعين بما يقارب طاقتهما التصميمية. كذلك الأمر بالنسبة لمشروعي الورق والسكر.
– ملاحقة مصير المشاريع الإنتاجية للدولة العراقية في الإقليم ومآل مصيرها.
– التدقيق في عوائد بيع الوقود من قبل وزارة النفط ومصير المبالغ المستحصلة عن المبيعات وكيفية التصرف بها.
– أسباب استمرار حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، وهل استجابت الشركات المعنية لشروط العمل على استخراج الغاز المصاحب، وهو ثروة وطنية كبيرة تهدر لحرص الشركات الأجنبية على تقليل كلف الاستخراج لتحقق لنفسها أكير قدر من العائد، على الرغم مما تضمنته العقود من إلزام الشركات بمعالجة فصل الغاز والكف عن حرقه.
– وهناك قضية هيئة الاستثمار، ما هي رؤيتها الإستراتيجية، ما الذي حققته؟ هل تم توظيف مبدأ الاستثمار الأجنبي بما يوفر ما يلزم لإنجاز مشاريع إستراتيجية وغيرها من المشاريع المطلوبة بالاعتماد على موارد المستثمرين، أم أن الاستثمار بالاسم، وأغلب المستثمرين يجمعون الأموال إما من عوائد الدولة العراقية أو مساهمة المواطنين العراقيين.
هناك الكثير أمام هيئة النزاهة وبقية الجهات المعنية بمراقبة التعامل مع المال العام ومواصفات المشاريع وخطط التنمية غير الإعلان الدعائي عن مبالغ “تافهة” تم كشفها سابقاً، مقارنة بأموال بالمليارات تنهب ورشاوى يتم تقاضيها على حساب هدر سيادة العراق ومصالحه، سواء في ميناء الفاو أو حدود منطقته الاقتصادية في المياه الوطنية ومنفذها عبر خور عبد الله.
أعتقد أن خبرة رئيس الوزراء السوداني ونزاهته وما انتدب نفسه له في معالجة نهب موارد العراق وتقويض سيادته تجعله قادراً على فرز ما هو “كبس” حقيقي لفساد يستنزف دماء العراقيين ومستقبلهم، وبين الليرة التي بلعها غوار الطوشي وظهرت في الأشعة التي “لا تستطيع ولن” تكشف المليارات المنهوبة، كونها مصممة للتعتيم على السرقات الكبرى.