كرجل في الضّباب
أسمَعُني: أصرخُ.. أستغيث
ولا أَرَاني !
فقط، أَتَعَثَّرُ بي
حين يصير الصّمت لغتي المفضّلة
ويتحوّل الصّراخ
إلى ما يشبه خرافة رجل الغابة !
كخرافة رجل الغابة
أشعر أنّي أَتَعقّبُني !
لكنّي.. لا أراني
فأُكذّبُ بكلّ ما جاء في خُرَافَتي !
أنتظِرُ وقوعي في خطئي الفادح
لأُحَمِّلَني، وحدي، زلّة ارتكاب الموت
وزلّة
ارتكاب اللّغة !
بكامل دهشتها
تسألني اللّغة المحشوّة باللّصوص والكلاب و الأطفال:
من طيّرك طائرة ورقيّة
ونسي أن يقطع الخيط؟!
جدّي
كان يظنّ هدير الطّائرات الحربيّة.. رعدا!
ولأنّه ابن الرّيح
كان يرقص ليجمع الغيم، كلّه، في سماء قريتنا
لتُمطِرَ
فينبت الشّعير في كفّه
والعشب.. تحت سرّة جدّتي !
لقد كانت طيورا حديديّة كبيرة جدّا
وأنا
كنتُ
طائرا صغيرا من ورق
لا مفرّ لي من الخيط ومن الأسلاك الكهربائيّة!
أبي.. الذي طيّرني
كَبُرَ، فجأة، في لزوجة لم يعهدها في بنطاله
ونسيني
عالقا
في صراخ الطّيور الحديديّة!
عندما كنتُ أبي،
قبل أن تفهم جدّتي
سرّ روائح الموتى التي تفوح من سريري،
كان كلّ الشّعر
أن أُطيّر طائرة ورقيّة
دون أن تعلق في الأسلاك الكهربائيّة
ودون أن تصيبها فوبيا المرتفعات
فتحنّ للسّقوط !
حين اكتشفت جدّتي
أنّ الموتى كانوا يخرجون من أحلام أبي
صار كلّ الشّعر
أن تُقَشِّرَ امرأة كبرتقالة أو كحبّة موز
وأن تُحِبّها
دون أن يفطن باقي الأطفال
لمذاق اسمها على شفتيك…
أمّي.. مازالت تشمّ رائحة الموتى في سراويل أبي
ولا تفهم: من أين جاؤوا ؟!!
فصار الشّعر
طريقة أخرى أتخلّص بها
من تثاؤب أصابعي،
من شعير جدّي الذي مازال يحاول أن ينبُت في كفّي
ومن الخيط
الطّويل جدّا في عيون طفل يطيّر طائرة ورقيّة
والقصير جدّا في عيون عصفور…
لقد صار الشّعر
سببا جديدا للبكاء،
لحفلة الصّراخ في الضّباب
وخطأ فادحا يستحقّ ارتكاب زلّة الموت
حتّى يكشف رجل الغابة
عن وجهه/ حزنه
لأَرَاني بكلّ وضوح…

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *