ما أن تسلمت هدية مكتب سماحة الفقيه احمد الحسني البغدادي الكتاب القيم: «نقد العقل الديني أديان الارض ودين السماء» حتى إجتاحتني فرحة غامرة على هذه المبادرة الكريمة، و أستحوذ هذا المنجز الجدلي على كل أوقاتي، ففي أيام معدودات قرأته بدقة وإمعان، ولا أكتم قاريء اللبيب ولا أجامل صديقي الآية العظمى الحسني البغدادي لو قلت أنه نجح بامتياز عند نقده لمجتمعنا خصوصاً وأن قامات فكرية واكاديمية وسياسية و نضالية قرظوا هذا السِّفر الأكثر جدلاً وإثارة على الأقل في الساحة العربية خصوصاً العراقية بين معجب لهذه الجسارة في النقد والتشريح، وبين من أعدَهُ تهجماً على قدسية المذاهب والفرق الاسلامية، والاحزاب والتيارات الوطنية والإسلامية وأضرحة ومقامات الاولياء والصالحين، والمؤسسات الدينية السنية والشيعية، والشعائر الحسينية … إنه رجل لا كغيره من الرجال القلائل يتمتع بموهبة نادرة وطاقة إبداعية متدفقة وانفتاحة على الفكر والفكر المضاد .. وكعادته يستثمر الفكر بالعمل الجاد وذلك بموهبته النادرة وطاقته الابداعية المتدفقة ليقدم لنا نصّاً يمتزج فيه التاريخ بعلوم الفقه والاجتماع والسياسة وعلم النفس. وهكذا تأتي قراءته لنقد العقل الديني بمثابة قراءة حدثية يسارية إسلامية خالصة بلا تكلف أو تصنع وهذه هي الميزة التي يتّسم بها. للتأكيد أن كتاب: «نقد العقل الديني» هو لفقيه مجدد يعيش هموم الوطن العربي والاسلامي، ويفكر فيها بعقل نقدي وموقف اخلاقي ورؤية موضوعية – عقلانية مستقلة. وعليَّ أن أعترف بان الكثير مما قيل هنا هو إستعادة لما كان السيد الحسني البغدادي قد مارسه بالفعل لا بالقوة – كما يقول علماء المناطقة – في أحاديثه وبياناته ومؤلفاته الموسوعية الثقافية والمعرفية خصوصاً كتابه الجديد الذى أتحف به المكتبة العربية الذي بين يديَّ؛ بيد أنها إستعادات تنظيرية تقع في المجال العلمي النقدي الذي كان أحمد الحسني البغدادي يفعله على شكل دفعات ليست كلها مشفوعة بآراء وتفسيرات متكاملة لهذا المنهج الذي ما زال قابضاً على جمرة الاطروحة الاسلامية الحية، وهو الذي يحاول أن يستخرج المفارقات والمضاعفات والأخطاء من داخلها غير مكترث بنقد ذاته فكرةً وتطبيقاً؛ مثلما لا يتراجع من نقد الآخر فكراً وممارسة، حتى وان كان من رحم القامات الفقهية والعقدية والسياسية، بل أنه يمارس ذلك على نحو «متطهّر» من «ذنوب وآثام» الماضي.. فيتناول بالنقد لرفاقه من رموز المؤسسة الدينية المعاصرة . وأحمد الحسني البغدادي مَشْغّل تفكير وتأمل ومراجعة ومساءلة تتوالد فيه الكثير من الآراء ومتغيرات الخطاب والافكار والنظريات والتاريخ العربي والإسلامي.. ونظريات القمع والتفكير والتنظير ما بعد الحداثة وصولاً الى الدِّين والهوية والقومية والطائفية والتمذهب والظلامية السطحية وتجهيل المجتمع وذلك من خلال أنطولوجيا الاختلافات والحوارات من هموم المشهد المعرفي والثقافي والاسلامي والعالمي.
{ نقيب المحامين العراقيين السابق
والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب