وظَلَّت الحاشية، تحرص على تغييب الفكر، وإذا غاب الفِكْرُ ظَهَرَ الصَّنمُ، وإذا لم يظهر صنعوه! كان الشعب يسخر من القائد الأسطورة، سنة 2002 أخبرني أحدهم: وأذهب عصراً إلى محلات الأنتيكات، سيوف وخناجر وغير ذلك، لأشتريَ الغريب منها، وقبل عيد ميلاد الليمون نهاية نيسان، أقدِّم المواد التي جمعتها هديَّةً لقائد النَّصر والسلام في استعلامات القصر الجمهوري! مع نبذة أسطورية لكل مادة اشتريتها بما لا يتجاوز مئة ألف دينار عراقي. أواسط أيار أتلقى اتصالاً لأراجع وأقبضَ الصكوك! وأقلُّها بسبعمئة ألف دينار، وأحصدُ كل عام خمسة ملايين تقريباً! مسدس قديم عاطل، كان يملكه جَدِّي لأمِّي الشيخ حبش الفنكوش شيخ عشائر الفنكوش البدو الرحَّالة في سوريا والعراق واليمن، للشيخ أربع زوجات وسبع جوارٍ مَحظيَّات، ومن الأبناء مئة ويزيد، وذات فضيحة أشيعت تهمة زِنا على بركات إحدى زوجاته، وكانت امرأة مباركة لا تغادر سجَّادة الصلاة إلا للوضوء، وتشفي الأعمى والأبرص والمشلول، طلبَ الشيخ حبش الشهود بحضور رجال ونساء العشيرة، وشهدَ الشهود واحداً تلو الآخر ضد المرأة المباركة، وسحبَ الشيخ مسدسه وأطلق رصاصة على المرأة التي كانت تبتسم وتردد فاتحة الكتاب، مطمئنة غير خائفة، المسدس لم يطلق الرصاص، حاول مرتين وثلاث بلا فائدة، وفجأةً اعترفَ أحد الشهود على زوجته الأولى، رَشَت الشهود وبركات بريئة، واعترف بقية الشهود، فجلب زوجته الأولى اعترفت، وكان الشيخ يحبها فقال: فَعَلَت فِعْلَتَها من شِدَّة حبها لي، رغم ذلك لن أعفيها، سأطلق عليها رصاصةً واحدة من هذا المسدس، فإذا لم يعمل فقد عفوتُ عنها! واقتربَ منها وهي ملثمة وأطلق رصاصة على رأسها، فانفجرَ رأسها وتناثر على التراب!
هذه القصة الساذجة، وأخرج فكرتها غور فيربينسكي في فيلم (المكسيكي/ 2001) براد بيت وجوليا روبرتس. رجل يحاول أن ينقل مسدساً يسمى المكسيكي يحمل لعنة عبر الحدود الأمريكية المكسيكية. لزميلي “مسيلمة العصر” خيالٌ أوسع من الخيال!
وذات ليلة من أيار اتصل وقال: شاهد نشرة الأخبار، ستظهر هداياي بمناسبة عيد ميلاد الليمون. نعم قال الليمون، ولم يخفْ وأنا المُحال إلى التحقيق بسبب مصطلحات مشابهة ابتكرتها، وكنتُ خائفاً أنْ يكون كلامه كميناً، فلم أنطق بكلمة! كانت الكاميرا تتجول ببطء على هدايا القائد الرمز بمناسبة عيد ميلاده، ورأيتُ المواد التي قال لي عنها، وقرأتُ اسمه. واتصلت به حالاً: أنقذني! فأنا في أسوأ حال! بلا بيت ولا سيارة ولا أرض ولا أيِّ مستقبل! اعتبرني شريكك أو تلميذك! فقال ساخراً: ما زلت تسخر مني! واللهِ لا أسخر صدقني لا أسخر! قال: قالوا للسَّاخر احلف! وأغلق الخط! ورأيته بعد 2003 وقد صارَ مسؤولاً رفيعاً، ورأيته بعد 2017 تحت قبضة النَّزاهة!
السلطان سوق، إذا كان منافقاً التفَّ المنافقون حوله! ومَنْ يتقبل نصيحةَ الحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ (لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلٍ)؟ ومَنْ يُقرِّبُ العلماء والقُرَّاء والخبراء بأخبار الأمم والمدراء، كيف صعدوا وكيف سقطوا؟ وقوة السلطان في قدرتِهِ على التحكم بعواطفِه، وألا يغضبَ بسبب واشٍ قصير اليد والقامة، وبمجرد أنْ ينجحَ في وشايتهٍ الأولى، سيتحكم بالمدير ويصبحُ سَيِّدَهُ! وقوة المدير في إخماد الجمر قبلَ أنْ يتحول إلى حريق! وألا يسمحَ لحاشيته النفخَ في رَمادِ التفاصيل التافهة!
واجب الأنبياء إسقاط الأصنام، والعقلاء يكملون المهمة! يفضحِ أناسٍ جلسَ أجدادهم بجوارِ هُبل، يخترعون له المعجزات والمَكرمات، وكلما زادت ارتفعت أرباحهم! هؤلاء الذين احتفظوا بمناصبهم رغم تبدل الوزير، المدير العام، مدير القسم، يجلبون له العروق وأنواع الكعك ويأخذون زوجته القروية إلى صالونات وأطباء التجميل.