بعد مبايعة الامام علي ” عليه السلام ” خليفة للمسلمين في المسجد وقد خطب بالرعية راشداً وناصحاً وموجهاً ومذكراً لنفسه ثم لهم ، أنه لو خرج من خلافتهم بغير ما دخل به من رداءه ونعله وسيفه فقد خان الأمانة ، وبعد الانتهاء من خطبته وادائه الصلاة غادر المسجد لتفقد شوؤن الرعية فوجد حشد من الصحب وقد تطوعوا لحمايته ، فتوجه إليهم مخاطباً لا تغروا أميركم ولا تذلوا انفسكم ، ففي فعلكم هذا صناعة الطغيان والذلة ، الطغيان لمن تولى والذلة لمن سار خلف بشر زائل ، سلام عليك سيدي لم تغرك دنيا ولم يغويك مال ولم يصرفك منصب ولم يشغلك زائل ، لم تنتقص ممن سبقك ولم تنتقم ممن قاتلك ولم تمتد يدك لبيت المال ولم تفسد ولم تطغِ ولم تلهيك إمارة لو دامت لغيرك ما وصلت إليك . سيدي يا علي ما أحوجنا ونحن نعيش أزمة النزاهة ونكسة الوطنية وإهمال الرعية ، لاستذكار سيرتك وتصفح مسيرتك واستعادة تاريخ حكمك ، وقد انتشر الفساد وعمت الفوضى وتمكن السراق وساد المنافقين وتحكم الأفاقين وكلٍ يدعي الوصل بالوطن والتشدق بالكرامة والتشبث بالوطنية والالتصاق بالشرف والادعاء بالنزاهة ، سيدي يا علي العراق عراقك والكوفة عاصمتك وقصر الامارة مقر حكمك والنجف مثواك ، وقد تشرفت النجف وحتى تقوم الساعة بجسدك الطاهرة ، فكتبت لها الكرامة في حياتك والشرف بعد رحيلك ، سيدي يا علي العراق يأن والنجف تستنهض والفقير يتطلع ، لحاكم يرعى ويد تصون ورجال تبني وحماة تذود ، وقد راح مال الوطن يعبث به السراق ، وكرامة أهله تتلاقفها وسائل إعلام مأجورة ، وأرواح الابرياء مهدورة بين إرهاب وقتل لاتفه الأسباب وعدوان خارجي ، بعد أن راحت أرض العراق ساحة لتصفية الحسابات وفرصة للتوسعات والاحتلالات وميدان لمطاردة الانداد ، سيدي يا علي لقد جاع عزيز وذُل شريف وانتُهكت أعراض وقُهر أيتام ونُهرت أرامل ، سيدي يا علي لقد راحت أرض السواد صحارى قاحلة ، شح فيها الحرث وقُطع منها الشجر وأضحت خيراتها مرتع للفُسّاد والمهربين والمضاربين ، وكل ممسك متمكن معتلي السدة يدعي الوطنية ويعلن حرب الطهارة ويشهر سيف النزاهة ويلعن من أفسد وهرّب ومكّن واتاح ، ونسب الفقر في تزايد وعدد العاطلين عن العمل في تصاعد وجيوش الباحثين عن الفرصة في تضاعف وعيون المتطلعين تشخص ، لحاكم يقسط ورئيس يعدل ومعتلي يوصل الليل بالنهار من أجل شيخ معوز وشاب متطلع وأمرأة تبحث وطفل يُصان ، سيدي يا علي ما احوجنا لبعثك من جديد لتشهد على مال العراق وهو ينهب وخيره وهو يُبدد ويتيمه وهو يُذل وأرملته وهي تُنهر وشريفه وهو يقف في مؤخرة الركب بانتظار من ينصف ويقسط وينتشل العراق من مستنقع ، خططت له أروقة خارجية ونفذت أجندته أيادٍ محلية عن غفلة أو عماله ، سيدي يا علي لقد راحت أرض العراق مقار لاجهزة المخابرات الأجنبية تسرح وتمرح وتخطط وتنفذ وتخرب وساسة الوطن يعلمون ويتغافلون ، إذ لعبت لذة السلطة بعقولهم واذهبت ضمائرهم وأعمت بصيرتهم حتى أصبح عراقك الذي حكمت عبث ولهو واصقاع يتقاسمها المتضادون المتخاصمون المتصارعون الباحثون عن التوسع وتحقيق ما حلم وتطلع وخطط له السلف ، أنبيك سيدي يا علي أن مخمرات الوطن رحن يبحثن عن الطعام فيما فاضت به موائد السراق لسد الرمق ، وعن الجسور للانتحار ، وعن القبور للسكن وعن ضمير حي ينتفض لما فقدن من كرامة ودين ووطن ، سيدي يا علي جميع من حكم يستذكر منقبة كي يد عقيل يوم طلب ما يسد الرمق دون أن يطلب ناقة أو بعير أو مركوب ندر ، سيدي يا علي تعلّم ونقل جميع من في الوطن ما كنت تلبس وتأكل وتعمل ، وتنكر في فعله لما فعلت إذ لبس ما غلا ثمنه وملأت بقايا موائده حاويات النفايات وترك الجهد والجد والعرق ، وامتهن السرقة والاختلاس ونهب المال العام ، سيدي يا علي لقد اسمعت وصيتك لعاملك على مصر وانت توليه من به صمم ، إلا حكام العراق الذين روا ونقلوا وكرروا وضربوا بها المثل والعبر ، لكنهم قربوا الارحام ومكنوا الحواش وسرقوا بيت المال وخانوا الامانة ، واخذلوا من عارض وقاوم وقاتل وصان وحمى وعضّ على الجرح وصبر ، بقصد نصرة وتحرير وتمكين ونشر عدل وانهاء ظلم ، أخبرك سيدي يا علي أن المريض في عراقك أفترش أرض مصحات خاوية واستجدى دواء غلا ثمنه وراح جسده وروحه حقل تجارب لأطباء جهله ، وتقاسم الغرماء تخصيصات انقاذ حياته واموال استشفائه وموازنات مستشفياته ، ولا من ضمير حي قادر على وقف نزيف هدر ماله ، أعلمك سيدي يا علي براءة للذمة أن العراق أصبح اكاديمية كبرى لتعليم فنون السرقة وكلها تحدث على رؤس الاشهاد ، والجميع يندد ويستنكر ويعلن ويلعن وهو شريك ، فمزاد العملة سرقة ، وسماد النبات سرقة ، وكتاب الطالب سرقة ، وقسط الجامعة سرقة ، واجور التطبيب الخاص سرقة ، وموائد المتصدين سرقة ، واجور التنظيف سرقة ، وسلعة السوق سرقة ، ودواء السرطان سرقة ، ولقاح الكوفيد سرقة ، وامانات الضرائب سرقة ، ونفط الوطن سرقة ، وحدود العراق سرقة ، وحياة الناس سرقة ، آه يا عراق ما احوجنا لقسط علي وعدالة حيدره وسيف ذو الفقار ، فقد ضاق شعبك ذرعا ونفذ صبرا وملّ انتظاراً وأُشبع ذلة ومات حسرة ، ولما تزل وعود التـــصحيح تتوالى تترا ، والتصدي للفاسدين ترفع شعارا وقتال من باع وخان وأهــــدر تُثبّت وعدا ، والوطـــــن في تراجع والعراق في انحدار والكرامة راحت طي النسيان ، ولا مواسي الا استذكار سيرة علي “عليه السلام ” والتذكير بمــــــناقبه وزيارة مرقــــده ، فسلام عليك سيدي علي يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً ، وسلام على من استذكر وأتعض وقاد وصان ووعد واوفى .