كعصفورٍ‭ ‬جريحٍ‭ ‬في‭ ‬عاصفةٍ‭ ‬هوجاء،‭ ‬أرى‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬يدخلُ‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬بجناحين‭ ‬مهيضينِ؛‭ ‬أوْ‭ ‬كمشرَّدٍ‭ ‬بقدمينٍ‭ ‬موحلتينِ‭ ‬وأسمالٍ‭ ‬باليةٍ‭ ‬يطرقُ‭ ‬بأصابعه‭ ‬الرمادية‭ ‬باب‭ ‬البلاد‭ ‬المضرَّج‭ ‬بالعبرات‭ ‬والحسرات‭ ‬والآهات،‭ ‬ومثل‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬جرحاً‭ ‬على‭ ‬رأسهِ،‭ ‬شجَّ‭ ‬بسيفٍ‭ ‬صبيحة‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬عاشوراء،‭ ‬أرى‭ ‬الأمل‭ ‬يزحفُ‭ ‬متعثراً‭ ‬بالظلام‭ ‬وليسَ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ضوء‭ ‬يستدلُّ‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الدرب‭ ‬سوى‭ ‬شهقات‭ ‬قلبه‭ ‬المضيئة‭ ‬بمزامير‭ ‬أنين‭ ‬المتعبين‭ ‬وهم‭ ‬يعزفون‭ ‬أناشيد‭ ‬الفقراء‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والأرصفة‭ ‬كتغريد‭ ‬بلابل‭ ‬الجنَّة،‭ ‬ومثل‭ ‬الذي‭ ‬يشتري‭ ‬سمكاً‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬أرى‭ ‬ثروة‭ ‬البلاد‭ ‬تنفرط‭ ‬من‭ ‬خزائن‭ ‬الفساد‭ ‬إلى‭ ‬أفواه‭ ‬التماسيح‭ ‬والحيتان‭ ‬والأحزاب،‭ ‬ومثل‭ ‬الذي‭ ‬يقتادهُ‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬ليلةِ‭ ‬عرسهِ‭ ‬إلى‭ ‬أقبيه‭ ‬مظلمة‭ ‬أرى‭ ‬شفتي‭ ‬اللاهثة‭ ‬إلى‭ ‬لثم‭ ‬تراب‭ ‬البلاد‭ ‬تنزف‭ ‬دماً‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬السواد،‭ ‬ومثل‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬طعاماً‭ ‬متعفّناً‭ ‬في‭ ‬عزّ‭ ‬صيف‭ ‬وقد‭ ‬تناهى‭ ‬له‭ ‬نعيق‭ ‬الغراب،‭ ‬فتسمَّمتْ‭ ‬أحلامه‭ ‬وأصبحتْ‭ ‬قبض‭ ‬ريح،‭ ‬ومثل‭ ‬الذي‭ ‬يسقي‭ ‬الماء‭ ‬للزائرين‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬منتظراً‭ ‬الأجر‭ ‬والثواب؛‭ ‬هكذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الناس‭ ‬المغلوب‭ ‬على‭ ‬أمرهم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬‭ ‬لكني‭ ‬أرفع‭ ‬كأسي‭ ‬المترعةِ‭ ‬بالجنون‭ ‬لأصحابي‭ ‬الذين‭ ‬يمرحون‭ ‬بالفردوس؛‭ “‬أولئك‭ ‬أصحابي‭ ‬فجئني‭ ‬بمثلهم‭” ‬وأقول‭ ‬سقطت‭ ‬جميع‭ ‬الأقنعة‭ ‬فأمَّا‭ ‬رايتي‭ ‬تبقى‭ ‬وكأسي‭ ‬مترعة‭” ‬لأصحابي‭ ‬وهم‭ ‬يراقصون‭ ‬حور‭ ‬العين،‭ ‬وللذين‭ ‬ينسجون‭ ‬من‭ ‬عبراتهم‭ ‬في‭ ‬المنافي‭ ‬والمهاجر‭ ‬درب‭ ‬عودة‭ ‬للبلاد؛‭ ‬لهؤلاء‭ ‬مع‭ ‬الفقراء‭ ‬والطيبين‭ ‬والنبلاء‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬أطبعُ‭ ‬قبلةً‭ ‬ساطعةً‭ ‬مثل‭ ‬قباب‭ ‬الذهب‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬الناصعة‭ ‬البياض‭ ‬مثل‭ ‬قلوب‭ ‬الأمهات‭. ‬أمَّا‭ ‬الذين‭ ‬يظهرون‭ ‬بوجوهٍ‭ ‬بيض‭ ‬وخلف‭ ‬الكواليس‭ ‬يضربون‭ ‬بذيولهم‭ ‬الطبول‭ ‬والدفوف‭ ‬إلى‭ ‬أولياء‭ ‬نعمتهم‭ ‬أقول‭: ‬الشفقة‭ ‬عليكم؛‭ ‬فلا‭ ‬حياة‭ ‬بهيَّة‭ ‬بنفوسكم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬آخرة‭ ‬لكم‭ ‬سوى‭ ‬أبواب‭ ‬جهنَّم‭ ‬وبئس‭ ‬المصير‭. ‬وحتى‭ ‬أرى‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬بعينين‭ ‬مشرقتين‭ ‬وأحاول‭ ‬أنْ‭ ‬أزيح‭ ‬الظلام‭ ‬الذي‭ ‬يعشش‭ ‬في‭ ‬مجاهيل‭ ‬روحي،‭ ‬أدعو‭ ‬بياض‭ ‬قلوب‭ ‬الأمهات‭ ‬إلى‭ ‬الترتيل‭ ‬والدعاء‭ ‬والصلاة‭ ‬على‭ ‬سجادة‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬اليباب،‭ ‬وأدعو‭ ‬الشهداء‭ ‬أنْ‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬اكفأنهم‭ ‬وينشرونها‭ ‬كرايات‭ ‬بيض‭ ‬في‭ ‬سموات‭ ‬النحيب‭ ‬والعزاء‭ ‬والوجع،‭ ‬وأتوسل‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬أنْ‭ ‬يُهدي‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬ويهبهُ‭ ‬النزاهة‭ ‬والمحبة‭ ‬والصدق،‭ ‬وأنْ‭ ‬يكون‭ ‬ضميره‭ ‬هو‭ ‬الرقيب،‭ ‬وقبل‭ ‬أنْ‭ ‬يستلقي‭ ‬على‭ ‬سريره‭ ‬الوثير‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬النافذة‭ ‬ويصغي‭ ‬لاستغاثة‭ ‬الفقراء‭ ‬وهتافات‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬سلّم‭ ‬الرواتب؛‭ ‬ويهب‭ ‬المعدمين‭ ‬الأراضي‭ ‬الذين‭ ‬خدعوا‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬داري؛‭ ‬ويطمئن‭ ‬على‭ ‬الجرحى‭ ‬في‭ ‬المشافي‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬مفخخة‭ ‬أو‭ ‬أحزمة‭ ‬ناسفة‭ ‬للمدن‭ ‬الآمنة‭ ‬أو‭ ‬مسدس‭ ‬كاتم‭ ‬الصوت‭ ‬يتربص‭ ‬بالأبرياء،‭ ‬أدعو‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬أنْ‭ ‬يغسل‭ ‬وجه‭ ‬بغداد‭ ‬من‭ ‬الرماد‭ ‬والدخان‭ ‬والأسى،‭ ‬وأدعو‭ ‬الفرات‭ ‬أنْ‭ ‬يهب‭ ‬الفقراء‭ ‬سمكاً‭ ‬وسواقي‭ ‬يزدحم‭ ‬بها‭ ‬الماء‭ ‬ليروي‭ ‬البساتين‭ ‬والحقول‭ ‬العطشى،‭ ‬ولتنزل‭ ‬الأمطار‭ ‬من‭ ‬سماوات‭ ‬بلادي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الجدباء‭ ‬وينهض‭ ‬الزرع‭ ‬ويفيض‭ ‬اللبن‭ ‬على‭ ‬موائد‭ ‬المعدمين‭ ‬والمحرومين،‭ ‬وليتحرر‭ ‬الأبرياء‭ ‬من‭ ‬سجونها‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬اكثر‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬المتنزهات،‭ ‬أريدها‭ ‬سنة‭ ‬عراقية‭ ‬تغار‭ ‬من‭ ‬كرمها‭ ‬وألقها‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬سنة‭ ‬يشبع‭ ‬بها‭ ‬الفقير‭ ‬ويجد‭ ‬مأوى‭ ‬يليق‭ ‬بعذاباته،‭ ‬سنة‭ ‬لا‭ ‬دموع‭ ‬تنهمر‭ ‬من‭ ‬نوافذ‭ ‬البيوت‭ ‬الحزينة‭ ‬على‭ ‬صدر‭ ‬البلاد،‭ ‬سنة‭ ‬مضيئة‭ ‬بالنور‭ ‬والحب‭ ‬والأمل‭. ‬أجل‭ ‬أريدها‭ ‬سنة‭ ‬حلوة‭ ‬مثل‭ ‬عروس‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬زفافها،‭ ‬رافعاً‭ ‬كفي‭ ‬بالدعاء‭ ‬من‭ ‬مهجري‭ ‬البعيد‭ ‬ألاَّ‭ ‬يهنأ‭ ‬السياسي‭ ‬بحياتهِ‭ ‬وطعامه‭ ‬وثروته‭ ‬وأبنائه‭ ‬ما‭ ‬لمْ‭ ‬يكنْ‭ ‬آخر‭ ‬فقير‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬قد‭ ‬شبع‭ ‬ونام‭ ‬مطمئناً‭ ‬وبسلام‭. ‬إلهي‭ ‬دع‭ ‬بلادي‭ ‬تستحم‭ ‬بالضوء‭ ‬وتنهض‭ ‬صباحاً‭ ‬وسعادة‭ ‬الفردوس‭ ‬تملأ‭ ‬وجوه‭ ‬أناسها‭ ‬الطيبين‭ ‬مثل‭ ‬شمسك‭ ‬الحنون‭. ‬فلقدْ‭ ‬عظمتْ‭ ‬المصيبة‭ ‬وحلَّتْ‭ ‬الرزيَّة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفَّاقين‭ ‬واللصوص‭ ‬والرعاع‭ ‬علينا،‭ ‬فلعنَ‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬استباحَ‭ ‬جمالك‭ ‬أيتها‭ ‬البلاد‭ ‬وأطفأ‭ ‬نور‭ ‬وجهك‭ ‬ونهبَ‭ ‬ثروتك‭ ‬من‭ ‬فم‭ ‬الفقراء،‭ ‬إنَّك‭ ‬مُجيب‭ ‬الدعاء‭ ‬يا‭ ‬الله‭.‬

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *