أعشق‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ . ‬الظلام‭ ‬التام‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬بمستطاع‭ ‬الجن‭ ‬الأحمر‭ ‬أن‭ ‬يتبين‭ ‬فيه‭ ‬الخيط‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الأسود‭ .‬

ثمة‭ ‬الآن‭ ‬صوت‭ ‬باهت‭ ‬بغرفتي‭ ‬الزنزانة‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬أصله‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬يتقطع‭ ‬ويتخابث‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬رشقة‭ ‬ملح‭ ‬مرشوشة‭ ‬فوق‭ ‬جرح‭ ‬عتيق‭ .‬

لا‭ ‬علبة‭ ‬ألمنيوم‭ ‬سكرانة‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الأسفلت‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬مواء‭ ‬قطة‭ ‬ساهرة‭ ‬بباب‭ ‬شباط‭ ‬اللباط‭ .‬شديك‭ ‬الجيران‭ ‬نائم‭ ‬وكنّاس‭ ‬الشوارع‭ ‬منشغل‭ ‬الليلة‭ ‬بحمية‭ ‬ألكترونية‭ ‬باذخة‭ .‬جربت‭ ‬الانبطاح‭ ‬على‭ ‬ظهري‭ ‬كي‭ ‬أتجنب‭ ‬خشخاش‭ ‬الوسادة‭ ‬وطبل‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬ذكية‭ ‬لقطع‭ ‬النفس‭ ‬وتعميم‭ ‬الصمت‭ ‬الكامل‭ .‬

الشباك‭ ‬موصد‭ ‬بقوة‭ ‬والستارة‭ ‬البيضاء‭ ‬ساكتة‭ ‬مثل‭ ‬كفن‭ ‬بيمين‭ ‬دفان‭ ‬ماهر‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الصوت‭ ‬اللعين‭ ‬يتناوب‭ ‬كأنه‭ ‬جندي‭ ‬بمنزلة‭ ‬ازعاج‭ ‬ليلي‭ .‬

أعرف‭ ‬طنين‭ ‬البعوض‭ ‬والذباب‭ ‬وقصف‭ ‬الناموس‭ ‬وأزيز‭ ‬الجراد‭ ‬بوادي‭ ‬العاقول‭ .‬

بمقدوري‭ ‬سماع‭ ‬وقع‭ ‬أرجل‭ ‬نملة‭ ‬سوداء‭ ‬تسحل‭ ‬ذرة‭ ‬حنطة‭ .‬

السماء‭ ‬مخنوقة‭ ‬بغيم‭ ‬كثيف‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لرعد‭ ‬أو‭ ‬مطر‭ .‬

خشمي‭ ‬هادىء‭ ‬ونفسي‭ ‬صاف‭ ‬والبطانية‭ ‬منسابة‭ ‬فوق‭ ‬جسمي‭ ‬مثل‭ ‬أب‭ ‬مخذول‭ .‬سأهدأ‭ ‬وأعالج‭ ‬الأمر‭ ‬بحكمة‭ ‬وعقل‭ ‬راجح‭ ‬،‭ ‬وسأفترض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬اللعين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مصدره‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬مظلمة‭ ‬بعيدة‭ ‬تخيم‭ ‬على‭ ‬روحي‭ ‬اللائبة‭ .‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬الصوت‭ ‬المنفر‭ ‬مصنوعاً‭ ‬بمرجل‭ ‬مخيال‭ ‬انزاح‭ ‬بغتة‭ ‬فوجد‭ ‬امرأة‭ ‬بثوب‭ ‬بيت‭ ‬شفاف‭ ‬وهي‭ ‬تشطف‭ ‬باب‭ ‬الدار‭ ‬والعتبة‭ ‬العالية‭ ‬،‭ ‬وتمنح‭ ‬المارين‭ ‬البصاصين‭ ‬الجبناء‭ ‬نعمة‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬ثدييها‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬أزرار‭ ‬الدشداشة‭ .‬

سأغوص‭ ‬بسلة‭ ‬الزبل‭ ‬علني‭ ‬أجد‭ ‬ورقة‭ ‬مدعوكة‭ ‬تتململ‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬ثقل‭ ‬الحروف‭ ‬،‭ ‬فتصدر‭ ‬جلبة‭ ‬صغيرة‭ ‬تشبه‭ ‬حفيف‭ ‬صفصاف‭ ‬ينبت‭ ‬بعيداً‭ ‬مثل‭ ‬حارس‭ ‬زقاق‭ .‬

في‭ ‬المرمدة‭ ‬عشرة‭ ‬أعقاب‭ ‬سكائر‭ ‬نائمة‭ ‬بهدوء‭ ‬قبيلة‭ ‬جثث‭ ‬منسية‭ ‬بثلاجة‭ ‬مشفى‭ .‬سأذهب‭ ‬مذهب‭ ‬تصفير‭ ‬الاحتمالات‭ ‬وألقم‭ ‬أذنيَّ‭ ‬بقطن‭ ‬الجروح‭ ‬القديمة‭ . ‬سأقرأ‭ ‬فيوضات‭ ‬وأذكاراً‭ ‬وتعويذات‭ ‬وبعض‭ ‬أوراد‭ ‬متيسرة‭ ‬بسكراب‭ ‬الذاكرة‭ .‬

سينقطع‭ ‬الصوت‭ ‬تماماً‭ ‬صحبة‭ ‬تلويحة‭ ‬مذهلة‭ ‬مطمئنة‭ ‬ترفرف‭ ‬على‭ ‬شهقة‭ ‬عام‭ ‬جديد‭ .‬

سأنام‭ ‬الآن

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *