يشكِّل كل من القلم واللسان ثنائية جميلة من ثنائيات التعبر الخلاق، والقلم هو اللسان الثاني، فمن امتلك القلم صار له لسانان، ولكن ما يخطُّه القلم يبقى، وما يقوله اللسان يذهب مع الهواء الذاهب، وإن ما تحفظه الصدور يُنسى أما ما تحفظه السطور فيبقى، وشتان بين ما يخطُّه القلم ويقوله اللسان وبين ما تحفظه الصدور وتحفظه السطور، وحسب بلاد الرافدين شرفا أنها البلاد التي كان فيها أول حرف خُطَّ بأول قلم، وأنها كانت البلاد التي ظهرت فيها أول ملحمة وأول مسلة وأول قانون، ويمكن القول بلا تردد إن حملة الأقلام كحملة السيوف في مستوى الكرامة والعزة، وضربة القلم لا تقل أثرا عن ضربة السيف، وصرير الأقلام ليس أقل هيبة من صليل السيوف، وأكبر شرف للقلم أن السورة الثامنة والستين في القرآن الكريم حملت اسم (القلم)، وأن الله تعالى قد أقسم بالقلم وما يسطره القلم، وذلك في قوله المبارك: (ن والقلم ِ وما يسطرون)، وعن هذا يقول أبو الفتح البستي:

كفى قلمَ الكُتّابِ مجداً ورفعةً

مدى الدَّهرِ أنَّ اللهَ أقسمَ بالقلمْ

إن الكلمة الطيبة تخرج من القلم الطيب، والكلمة الخبيثة تخرج من القلم الخبيث، ورحم الله امرءاً أوسع الطرق والأوراق للقلم الطيب وأغلق الطرق والأوراق بوجه القلم الخبيث.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *