الكاتب الأشعث الفرزوني
عند تحليل وتقييم الأوضاع والأحداث والصراعات في مختلف دول ومناطق العالم بهدف الوصول الى نتائج موضوعية ومنطقية ومفهومة لابد في البداية من تحديد دقيق وواضح لأهم العوامل والعناصر السائدة التي تتحكم بالبيئة العامة في ذلك البلد او المنطقة الجغرافية. ونقصد بذلك حقيقة العوامل والعناصر والجهات التي تتحكم فعلياً بالقرارات والسياسات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والأمنية والسيادية وكل ما يتعلق بمستقبل البلد والمجتمع عموماً.
ولغرض تحقيق الموضوعية والموثوقية في تحليل الواقع العراقي ومستقبله سواء من قبل من هم مشاركين ومسؤولين فعلياً عن إدارة الشأن العراقي حالياً والمدافعين عن تجربتهم في الحكم ، أو من قبل من هم خصوم أو ضد او معارضين للطبقة السياسية التي تتحكم بزمام الأمور ،لابد من الإقرار والإتفاق على جملة حقائق لا يمكن نكرانها أو تجاهلها من قبل الجميع سواء ممن يتحكمون فعلياً بمصير العراق أو المعارضين لهم على حد سواء. ومن أهم الحقائق التي لا يختلف عليها إثنان ( إلا من ناحية المفهوم أو المصطلح فقط ) هي الآتي:
أولاً: العراق كبلد، يمتلك من الإمكانات البشرية والمادية والجيوسياسية التي ( لو أحسن إستثمارها من قبل السلطة الحاكمة ) لساهمت من تحقيق طفرات تنموية واعدة على مختلف الأصعدة ويجعل العراق في مصافي الدول المتقدمة والمزدهرة. إلا إن الواقع “المزري” يعكس خلاف ذلك..تخلف في كل شيء. السؤال البديهي والبسيط هنا هو لماذا هذا التخلف في كل شيء بالرغم من توفر كل إمكانيات التقدم والتطور،،على أصحاب القرار ( المباشر وغير المباشر ) وحتى المعارضين أن يعطوا الجواب الحقيقي . وهنا ، مع الأسف ، ستبدأ معركة ” المصطلحات والمفاهيم ” . أصحاب القرار الفعليين لهم مصطلحاتهم للتبرير : ” الإستعمار والتدخل الأمريكي ، التدخل الخليجي في الشأن العراقي ، داعش والمنظمات الإرهابية والفساد ،،، الخ ” ، وفي الجانب الآخر فمصطلحاتهم للتبرير هي : ” التدخل الإيراني ، المليشيات العراقية المسلحة التي تأتمر بأوامر إيران ، التبعية ، والفساد ،،،الخ “. ومع إختلاف المصطلحات فإن الجميع يعترف بأن العراق لا يحكمه عراقيون وطنيون وإنما تحكمه ثلة تأتمر بأجندات خارجية. أليس هذا منطق بإن الجميع يعترفون ويقرون بأن الأجندة الخارجية ( وليست الوطنية ) هي من تسيير الشأن العراقي. إذاً الجميع فاشلون في إدارة الدولة .
ثانياً : إن جميع دول العالم ، بدون إستثناء ، تعتمد على مؤسسة عسكرية وأمنية متجانسة واحدة وظيفتها حماية البلد والدفاع عنه أمام الأخطار الخارجية وحماية النظام السائد بشكل عام. والهدف الأساسي من هذا التوحد هو لضمان الأمن العام للبلد والمجتمع معاً. أما في حالات إستثنائية في بعض الدول البائسة ، وحسب طبيعة آيدولوجية النظام السائد ، فتقوم بعض الأنظمة بتشكيلات عسكرية ( موازية للتشكيلات الرسمية ) هدفها حماية النظام فقط وليس حماية البلد من إعتداءات خارجية إلا إذا كانت تستهدف إسقاط النظام الحاكم. وعلى هذا الأساس تشكل الحرس الثوري في إيران وتميزه عن المؤسسة العسكرية التقليدية وذلك لحماية بقاء النظام أساساً . وتشكل الحشد الشعبي العراقي ( للمساهمة في محاربة داعش بدايةً ) ولكن الهدف النهائي منه هو لحماية النظام في العراق على غرار الحرس الثوري الإيراني . فالحشد الشعبي العراقي ما هو إلا حرس ثوري عراقي لحماية بقاء النظام الحالي . وهنا تبدأ معركة الأسئلة والمصطلحات،،ما هو أساس تشكيلها ( إذا كانت لمواجهة داعش ) ولماذا إستمرت وتمددت لحد الآن بعد القضاء على داعش ، وإذا كان بقائها لغرض مواجهة مخاطر داعش ،،،إذاً إعترفوا بأنكم لن ولم تستطيعوا إنهاء خطر داعش ، وهذا يعني إنكم لستم حماة الأعراض لأن داعش موجود لحد الآن ، والأعراض ما زالت منتهكة بوجودكم ووجود داعش.
ثالثاً : جميع المشاركين في حكم العراق ، بدون إستثنا ء ، يحملون حقيبة مليئة بالفساد الإداري والمالي وإستغلال موقع السلطة كل منهم إتجاه الآخر. فكل شخص في مجموعة الحكم لديه ملف أو ملفات فساد إتجاه الآخرين. والغريب بالأمر إن الجميع هم في الحكم ،، والجميع يحمل ملفات فساد ضد الآخرين المشاركين معه بالحكم . وكأن ملفات الفساد ما هي إلا عبارة عن شهادة تزكية . السؤال البسيط والمنطقي : من هم الفاسدون إذاً ، إذا كان الجميع ” بدون إستثناء ” لديهم مجموعة ملفات فساد كل واحد أمام الآخر.
رابعاً: لا أستطيع الإستمرار بهذا التحليل “السخيف ” مالم أثبت بعض الأمور الأساسية وهي:
١- إن من يحكم العراق فعلياً هم عصابات مسلحة عراقية الجنسية ، ولائية المذهب ،تأتمر بإرشادات المرشد الخامنئي أو جهات خارجية أخرى .
٢- العراق مرتهن بأجندة إيران سواء على مستوى الأجندة الإقليمية أو الدولية، وهذا يعني ليس للعراق أي سيادة بمفهومها الدبلوماسي.
٣- موارد العراق كافة بمختلف مصادرها موزعة بين القوى الفاعلة بالمشهد العراقي،،بموجب قوى السيطرة أو بموجب الفتاوى .
٤- العراق خلال عام ٢٠٢٢ سيتحول الحشد الشعبي الى ما يشابه أو يوازي ” حزب الله ” اللبناني ، ومن سيتحكم بمصير العراق هو ” الحرس الثوري العراقي ” .
٥- بالنسبة للأوضاع الحالية في العراق، فإن العراق مقبل على إنفلات أمني شامل ، و سيكون التيار الصدري بقيادةالصدر أول من سيخضع للأوامر التي ستأتي من قيادات الحرس الجمهوري الإيراني لأنه إيراني قبل أن يكون عراقي. فكل ما يريده الصدر هو مكانة متميزة في الحوزة الدينية في العراق بدلاً من الحوزة السيستانية.
٦- الخلاصة : العراق مقبل على صراعات واقتتال ما بين الفصائل وما بين المكونات . هذا هو الواقع.