الكاتب علاء كرم الله
يختلف مفهوم المنصب وكيفية الوصول أليه والحصول عليه بيننا وبين الغرب، فالمنصب في الغرب أيا كان ذلك المنصب ، وزير أو رئيس وزراء أو رئيس جمهورية ، يعتبر بالنسبة للشخص تكليف يقوم به من أجل خدمة وطنه وشعبه بكل صدق وأمانة ونزاهة وشرف وتفاني وبكل روح وطنية ، وهو بلا شك يتشرف بذلك التكليف ويبذل قصارى جهده بأن يكون عند حسن الظن لمن أنتخبه وأختاره لهذا المنصب ولذا نرى المسؤول في الغرب يضع كرامته فوق رغيف الخبز! ، فهو سرعان ما يقدم أستقالته أذا أرتكب أبسط مخالفة أو أذا أثيرت عليه أية قضية أو تم أستجوابه لأبسط الأمور! ، وقد سمعنا قصصا كثيرة عن المسؤول في دول الغرب وكرامته التي يضعها فوق كل الأعتبارات أذا مسها شيء من العيب ويضرب المنصب بعرض الحائط ! . أما بالنسبة لنا، نحن العرب وتحديدا غالبية المسؤولين العراقيين ( ما بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم على العراق) ، فالمنصب يمثل لهم الجاه والحظوة والحظ الألهي والسيطرة والملك وأمتلاك ما يقدر على أمتلاكه ، والمنصب يعني الرواتب العالية والأمتيازات والمخصصات الخرافية ومواكب الحمايات، وتحقيق الذات والمكبوت من الرغبات والأماني والأحلام والخيالات ومحاولة القضاء على مركب النقص الذي بداخله والذي يعاني منه! ، وبالتالي فالمنصب ما هو ألا مغارة من مغارات علي بابا وقصة من قصص ألف ليلة وليلة ، فترى المسؤول عندنا يغرف ما يشاء ويشتهي من كل شيء يقع أمامه ، ولسان حاله يردد بيت الشاعرعمر الخيام ( وأغنم من الحاظر لذاته فليس في طبع الزمان الأمان)!. والحصول على المنصب في العراق يخضع للواسطات والحزبية والمحسوبية والمنسوبية والطائفية والمذهبية وللقرابة والعشيرة والقومية بأبشع صورها! ، أكثر ما يكون خاضعا للكفاءة والمهنية! ، لذا أنشغل غالبية مسؤولينا بترميم شخصيتهم المنكسرة المليئة بالعيوب والثقوب وبمليء بطونهم الجائعة بكل أنواع السحت الحرام! وبالتالي كان نتاج سلوكهم ، هو صورة العراق الحالي المأزوم بكل المصائب والمشاكل والأزمات السياسية والأجتماعية والأقتصادية والأنسانية والمشلول والمنهوب والمدمر والمخترق والمسلوب السيادة ، حتى صار العراق يوصف أمام العالم بالدولة الفاشلة!.
والمشكلة المزمنة والعويصة في غالبية المسؤولين ما بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق أنهم لا يعرفون ثقافة الأستقالة ولا يريدون أن يفهموها ويعرفونها أبدا!، لأن كل واحد فيهم يفهم بأن هذا المنصب هو هبة وعطاء وحظ من الله بعثه له! ، فكيف يستقيل ويرفض المنصب!؟. ومع كل ما توصف ووصفت به العملية السياسية بالعراق من فساد ، ألا أنه لا بد أن تكون لدى الشخص المرشح لأي منصب شيء من الكرامة البسيطة! ، بأن يرفض المنصب الذي يرشح له عندما يراه لا يناسب أمكانياته الفكرية والعلمية والتخصصية والمهنية، مهما تعرض من ضغوطات من قبل الحزب والتيار السياسي الذي ينتمي أليه وخاصة أذا شاب تجربته الأولى في المنصب فساد او شبهات فساد وصار عليه لغط كثير وأستجواب من قبل البرلمان وسحبوا الثقة منه وبالتالي تم أقالته من المنصب! . وعلى الرغم من التسليم بأن العملية السياسية في العراق بنيت على المحاصصة السياسية والطائفية والقومية وأصبح ذلك عرف سياسي مفروغ منه! ، ولكن نتمنى على الحزب والتيار أن يحاول ترشيح شخص يمتلك شيء من المواصفات المهنية والعلمية والخبرة التي تتناسب وتتوائم مع المنصب الذي يرشح له ، والأهم أن لا تكون عليه شبهات فساد او أية امور أخرى ولم يسبق له أن جرب في منصب سابق وفشل فيه! ، حتى لا يقع الحزب ولا الشخص المرشح في أية حرج أمام الشعب! . أخيرا نقول على كافة الأحزاب والتيارات السياسية أن لاتعيد تجربة من تم تجربته سابقا بأي منصب وخاصة في المناصب الحساسة والقوية والسيادية مثل منصب رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية ووزارة المالية وزارة الكهرباء وزارة النفط , على أقل تقدير من باب الأحترام لسمعة الحزب من جانب وحفاظا على كرامة الشخص المرشح! ، والله من وراء القصد.