في روايته الخالدة ( الجريمة والعقاب ) يصور لنا الكاتب الروسي الشهير ( دستوفسكي ) الجريمة التي يرتكبها القاتل تصويرا رائعا في عقاب النفس الذي يعانيه بعد فعلته ليكون العقاب شديد الوطأة عليه ثم ليعترف آخر الأمر بجريمته التي ظل شبحها يطارده .
ان الجريمة بشعة حقا لاسيما القتل منها ، اذ الضحية مهما تكن فانها نفس بشرية تحب الحياة وتتشبث بها فكيف اذا كانت الضحية بريئة لا ذنب لها .
لا يمكن للانسان أن يمارس القتل الا اذا خلا قلبه من كل عاطفة ليكون كالحيوان الذي يتلذذ بفريسته حينما يصيبها بمقتل .
ترى هل ينجو القاتل من العقاب ؟ هل ينجو منه حتى اذا تستر عليه زمنا طويلا ومن غير أن يترك وراءه دليلا واحدا ؟
في أكثر الأحوال وليس جميعها يطارد العقاب القاتل ، عقاب من داخل النفس ، لعلها وخزة ضمير أو ندم متأخر ، ان العقاب ليس من الضرورة أن يكون جسديا ، فعقاب النفس أقوى من أي عقاب .
كم في الحياة من رجال مارسوا جريمة القتل ثم بدأت الكوابيس المرعبة تطاردهم ، أليس هذا عقابا فظيعا ؟ وآخرون يعبثون رغم جريمتهم فلم يساورهم ندم ولا صرخة ضمير الا أن قبضة القانون أمسكت بهم لينالوا عقابهم الصارم .
أما الذين ظلت جريمتهم طي الكتمان ولم يحاسبوا أنفسهم فيا ويحهم من حساب الآخرة والعقاب الذي ينتظرهم .
ليس القتل وحده الذي يعاقب عليه الانسان وان كان أكثر الجرائم بشاعة ، فالاعتداء على الأموال والأعراض فيه أذى كثيرا وتجاوزا على الحقوق , اذ أنت تسلب حينئذ ما ليس لك سواء كان مالا أو عرضا ، هو عدوان على كل حال له ما له من جناية وفيه عقوبات رادعة سواء كانت دينية أو دنيوية .
ترى هل ينجو اللص بفعلته حتى النهاية ؟ هل يتمتع بالمال الحرام دون أن تراوده المخاوف ؟
أما العرض الذي استباحه بغير وجه حق فهو اساءة بالغة الى نسب وأسرة وطعنة نجلاء للشرف ، فهل يسلم فاعله هو الآخر من العقاب ؟
يقع الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم على عاتق الدولة ومدى قدرتها على اتخاذ العقوبات الرادعة على كل من تسول نفسه بارتكاب الجريمة ، ذلك أن الجريمة مهما كانت أسبابها ودوافعها هي مساس بحقوق الأفراد والمجتمع معا .
وان في القصاص لحياة ، ذلك لمن كان له عقل راشد ، لأن الله أراد أن تكون لنا حياة سوية بعيدة عن المخاوف يظللها أمن وطمأنينة .
أما الذين أسرفوا على أنفسهم ولم يتوقفوا عن فعل الجريمة فان حياتهم خاوية ولن يجدوا الراحة حتى الرمق الأخير .. انه العقاب ، العقاب الذي يضم بين دفتيه صرخة الضحية لتقلب حياتهم الى جحيم .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *