دقائق مجنونة، ولقب خليجي، وملحمة بطولية، تستحق ان يراق لها المداد، ويتغنى في روعتها بأعذب الكلمات، حيث ساعة التتويج أشهى اللحظات في عمر الإنجاز.. اسود الرافدين التي اقتحمت الصعاب لإسعاد الوطن جديرة بكل المعاني الرائعة، فقد امنت ان النصر ليس له ابواب مشرعة، وهي تردد.. جميلة كانت او قبيحة.. انها بلادي، قريبا كان او بعيد.. انه موطني.

فعندما تصدح الحناجر بالنشيد، تصاب النفس بالزهو، وتغمر القشعريرة المساحة الفاصلة بين قمة الرأس وأخمص القدم، هكذا كان حال الجمهور في ملعب البصرة، وهم يهتفون باسم الوطن حينما ارتفعت سارية العلم في جذع النخلة وحلقت الكرة العراقية لتلامس سماوات من ذهب.

ومثلما كان الافتتاح مبهرا، جاء الختام متوهجا، يعبر عن اصالة البلد وشعبه، فالعراق أصبح اسما رديفا لكل معاني الكرم، ومفردات السخاء، بعد رحلة جميلة تواصلت على مدى أسبوعين، انطلقت فيها سفينة الدورة من ضفاف شط العرب، لتصل الى اعالي الخليج، وهي تهزج بأغاني الحب على أنغام الخشابة البصرية.

لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع نجاح الدورة.. عشرات الصور المتشائمة كانت تتصدر التصريحات المحلية والعربية بعد تردد خليجي في القدوم الى بلاد الرافدين تحت مسوغات مختلفة، جعلتنا في حالة مراوحة بين حلم عصي عن الترجمة، وإحباط مزمن، تضافرت عدة عوامل على إدامته، بل اعتقدنا ذات شجن.. ان العراق غادره اخوته، وتركوه للمجهول.. القوه في جب العزلة ، وحيدا .. مضرجا بدمائه.. يلعق جراحه.. وينزف ابنائه، يحسبونه مصاب بالوباء، وان الاقتراب منه سيصيبهم بالعدوى، والأفضل ان يتركوه يحتضر، وما علموا أنه غير قابل للموت.. فارضه تربة الحياة، وسر الخلود.

اكاد اجزم ان سحابة رمادية قد أزيحت عن أجواء العراق، بددتها امطار البصرة الفيحاء، ازالت تلك النظرة القاتمة لبلد طالما كان زاخرا بالحياة، مفعما بالعطاء، عد منبع للحضارة.. علم الدنيا الكتابة، وشرع القوانين للبشرية، الا ان الخطوب والرزايا حولته الى أرض مجهولة، الخارج منها فائزا برحمة ربه.. وضعه الاعلام المغرض تحت عدسات محدبة او مقعرة، فاختزلته بخيمة وتابوت وبندقية.

ولعل ما عكر اجواء الفرح ذلك التزاحم على تسلق جذع النخلة، فأزهقت أرواح، وسقطت ضحايا، مثلما كان بعض الحمقى يعبرون عن مشاعرهم بإطلاقات طائشة، دفع فاتورتها المحتفلون في الشوارع والساحات العامة، في عادة تدل على التخلف، وتؤصل ثقافة العنف، وقيم القسوة في نفوس تبني سعادتها على تعاسة الآخرين.

غربت شمس الخليج عن البصرة، وأشرق الفخر والسؤدد في قلوب الناس، يبشر بتألق العراق وعودته الميمونة إلى المشهد الدولي من الباب الكبير، فتحية كبيرة الى البصرة التي تزينت وتجملت.. ضحكت وهي الثغر الباسم في وجه مريديها، لتغدو بوابة الانفتاح نحو العالم، وبداية الانطلاق الى آفاقه الرحبة.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *