بدت‭ ‬المقهى‭ ‬مهجورة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬النادل‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمسح‭ ‬منضدة‭ ‬منسية‭ ‬بأخير‭ ‬المكان‭ . ‬حييته‭ ‬فرد‭ ‬عليَّ‭ ‬بأحسن‭ ‬منها‭ ‬وعاد‭ ‬ثانية‭ ‬ليزرع‭ ‬يمينه‭ ‬والمنشفة‭ ‬بخاصرة‭ ‬الطاولة‭ ‬الباهتة‭ ‬ومحيطها‭ ‬المطعون‭ ‬بثلمات‭ ‬السنين‭ . ‬

ثمة‭ ‬فرح‭ ‬وشجن‭ ‬صباحي‭ ‬مبكر‭ ‬بدأ‭ ‬بصديقي‭ ‬حسن‭ ‬سائق‭ ‬السرفيس‭ ‬الساكت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكلفني‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬عناء‭ ‬الإنصات‭ ‬الإجباري‭ ‬لسلة‭ ‬عشوائية‭ ‬من‭ ‬قصصه‭ ‬المعادة‭ ‬،‭ ‬والطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أكتبها‭ ‬وأنشرها‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬القارئين‭ .‬

كان‭ ‬صوت‭ ‬فيروز‭ ‬العظيمة‭ ‬يكحل‭ ‬قهوة‭ ‬الصباح‭ ‬البارد‭ ‬ويضفي‭ ‬عليها‭ ‬طعماً‭ ‬مذهلاً‭ ‬قادماً‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬غائرة‭ ‬،‭ ‬ورائحة‭ ‬المكان‭ ‬طيبة‭ ‬كأنها‭ ‬أرض‭ ‬طفولة‭ ‬بعيدة‭ ‬خرجت‭ ‬ولن‭ ‬تعود‭ .‬

الدهشات‭ ‬الفيروزية‭ ‬التي‭ ‬تتصادى‭ ‬ببطن‭ ‬مقهى‭ ‬زكي‭ ‬كانت‭ ‬رحيمة‭ ‬مثل‭ ‬أصابع‭ ‬أُم‭ ‬تعبث‭ ‬بشعر‭ ‬وليدها‭ ‬المدلل‭ ‬الجميل‭ :‬

وراحت‭ ‬الأيَّام‭ ‬وشويِّ‭ ‬شويِّ

سكت‭ ‬الطاحون‭ ‬عَـ‭ ‬كتف‭ ‬الميِّ

وجدِّي‭ ‬صار‭ ‬طاحونة‭ ‬ذكريات

تطحن‭ ‬شمس‭ ‬وفيِّ‭ .‬

بهذا‭ ‬المقطع‭ ‬المذهل‭ ‬من‭ ‬اللمعة‭ ‬الرحبانية‭ ‬العاطرة‭ ‬بدأ‭ ‬الشجن‭ ‬يغزو‭ ‬مائدتي‭ ‬وصار‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أستعيد‭ ‬صورة‭ ‬جدي‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتلذذ‭ ‬بشواء‭ ‬حبوب‭ ‬القهوة‭ ‬وطحنها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬غليها‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬هادئة‭ ‬بانتظار‭ ‬أول‭ ‬الزائرين‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬صورة‭ ‬المبجلة‭ ‬فيروز‭ ‬وشريكها‭ ‬الرحباني‭ ‬الكبير‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الأعظم‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬عبقرية‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬انزاحت‭ ‬كثيراً‭ ‬وصار‭ ‬معها‭ ‬الجد‭ ‬الهرم‭ ‬محض‭ ‬طاحونة‭ ‬ذكريات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يقصها‭ ‬عليه

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *