(1)
أدخلتِني في زهرة الرمّانِ ، ثم مضيتِ عني
وتركتِني بين التُّوَيجةِ واللقاحِ
تركتِني ، أعرفتِ أني
سائرٌ في زهرة الرمّانِ ، آلافاً من السنواتِ ؟
أفتحُ في التُّوَيجِ مدينةً قرويّةً
وتعاونيّةَ فوضويّين …
السماءُ قريبةٌ
وبعيدةٌ أرضي .
(2)
من حضرموتَ سفينةٌ خشبيّةٌ حفرتْ على الحَيزومِ
حشرجةَ ابنِ ماجدٍ …
استقامتْ وهي تنشِقُ في المحيطِ الفظِّ وردتَه الكشيفةَ للرياحِ
سفينةٌ من حضرموتَ ينِزُّ منها الماءُ والسّمَكُ المجفّفُ
أيُّ جَدٍّ في السفينةِ كان يستخفي على حقَوَيهِ هِميانٌ ، وأحفادٌ عراقيّون ؟
أيُّ فحولةٍ عبرتْ به تلكَ السواحلَ ، حيثُ تنتظرُ النساءُ مضمّخاتٍ
ضَوْعَ “بنتِ البحر” ، حيثُ يَصُغْنَ في الغبَشِ الـمُنَدّى المِسْكَ والحِنّاءَ ،
ايُّ روائحَ اختلبتْهُ ؟ رائحة القرنفُلِ والثيابِ الهاشميّاتِ ؟
القواقعِ وهي تغدو الرملَ ؟ رُزّ الزعفرانِ ؟ وأيّةُ امرأةٍ مُحنّاة اليدين ، صغيرة القدمَينِ
قد عشقتْهُ أو هجرتْه ؟ هل يطوي يديه على خيوطٍ من ملابسِها الخفيّةِ ؟
هل تُرى تركتْ على صندوقه الخشبيّ دمعتَها ؟ سفينةُ حضرموتَ تئنُّ في ليل الخليج
وبين حوريّاتهِ ، بين الكواسج والنجومِ ، يدورُ أحفادٌ عراقيّون ، وامرأةٌ ستخلِبُها الفحولةْ.
(3)
طيرٌ غريبٌ فوق نافذتي
أناديه ، فيدنو
ويدورُ في حِجري ، فألمسُهُ
فيغدو في يدي حَجَراً
وتسقطُ جمرةٌ مني
فينتفضُ الجناحُ .
(4)
بيدَيه (كان البحرُ نصفَ محارةٍ بيضاءَ ، زرقاءِ الظلالِ ، خطوطُها المتموِّجاتُ المستقيمةُ
تُخْبِرُ عن زمان السرِّ والتكوينِ ) أطفأَ نارَه الليليّةَ ، انطفأتْ جدائلُهُ ، وفي صندوقِهِ الخشبِ
استردَّ البحرُ نصفَ محارةٍ … أتُرى ستنطبقُ المحارةُ مرةً أخرى ؟ أيأتي مرّةً أخرى زمانُ السرِّ
والتكوينِ ؟ يُلقي النجمُ نيزكَهُ ، وتهبطُ حَبّةٌ حتى قرارِ البحرِ ، ثم الخَلْق ؟
تخبو حضرموتُ ، سفينةٌ خشبيّةٌ تنأى … وهاهو وحدَه في النخل :
صندوقٌ ، ونصفُ محارةٍ في كفِّهِ ، حَقَواهُ يختضّانِ بالأحفادِ ، وامرأةٍ ستخْلِبُها فحولتُهُ.
هنا في هذه الأرضِ التي سمعَ الجنادبَ فوقَها ، سيُقِيمُ مملكةً ، ويغرسُ نخلةً
ويداعبُ الأحفادَ …
تخبو حضرموتُ . سفينةٌ خشبيّةٌ تنأى …
وتنغِزُ قلبَه صيحاتُ ” أهلِ البحر ” :
في ليل العراقِ تهيمُ وحدكَ ، تعلكُ السمكَ المجفّفَ
حضرموتُ بعيدةٌ . حَقَواكَ يختضّانِ.
مملكتي التي سأُقِيمُ فوقَ محارةٍ : كوني مبارَكةً
ويا امرأتي التي سأشدُّها : كوني مبارَكةً .
ويا نخلاتِنا : كوني مبارَكةً.
نسيمُ الليلِ حرَّكَ من جدائلِهِ ، ورائحةُ الطحالبِ في الهواءِ الرطْبِ.
أغمضَ مقلتَيه ، هُنَيهةً .
هدأتْ جدائلُهُ ، وغابت نجمةٌ .
في الشرقِ تنهضُ وردةٌ حمراءُ . ترتفعُ الخليقةُ .
بغتةً تهتاجُ فاختةٌ
ويفتحُ مُقلتَيه.
(5)
قُلنا كثيراً
غير أنّ الببغاءَ تظل صامتةً
وإنْ نطقتْ أخيرا .
جُعنا كثيراً
غير أنّ أكُفّنا ستظلُّ متْخَمةً
فقد بُسِطَتْ أخيرا .
(6)
لم يبقَ من ذكرى السواحلِ غيرُ وحشتِها …
لقد نهضَ النخيلُ . النهرُ يدخلُ في الجداولِ ،
والجداولُ في البيوت. النسوةُ المرِحاتُ ينشرْنَ
الغسيلَ على حِبالِ القِنّبِ . الأطفالُ يجتمعون
مدْرسةً وراء التوت. مملكتي هي البستانُ مشترَكاً
هي الخبزُ الموزَّعُ في المناقيرِ. احتمائي: أذرُعُ الأحفادِ
والأرضُ التي اكتنزتْ بشهوتِها ، وأخرجُ من وِثاقي.
(7)
قد نبتني بيتاً ، فنُسجَنُ فيه
ما أبهى الحياة !
(8)
ما الصوتُ يأتي من جذورِ النخلِ … يدعوني :
مُهاجرَ حضرموتَ ! رأيتُ أمسِ النهرَ مقطوعاً .
مُهاجرَ حضرموتَ ! سمعتُ أمسِ النسوةَ المرِحاتِ
ينشرْنَ الغسيلَ ويحتَضِنَّ الجُندَ بين النهر والمقهى.
مُهاجرَ حضرموتَ ! رأيتُ دارَ الـمُلْكِ عاليةً …
مهاجرَ حضرموتَ ! مررتُ بالبستانِ مقتسَماً .
مُهاجرَ حضرموتَ ! سألتُ عن صندوقكَ الخشبيّ ،
عن نِصفَي محارتِهِ ، وقيلَ : أضعتَه في النهرِ …
قلتَ لنا : أتيتُ هنا ، أُوَحِّدُ شاطئينِ.
وأبتني في النهر مملكةً مقدّسةً ، وفي الأرضِ السلامَ
وأهتدي بالنجمِ ، والشرقِ المفتّحِ وردةً .
ايّانَ تنطبقُ المحارةُ مرةً أُخرى ؟
الفحولةُ لم تعُدْ تختضّ في حقَوَيكَ .
والأحفادُ ينتظرون عند التوتِ حوريّاتِهِم في الليلِ.
أسمعُ خفقَ أجنحةٍ . سلاماً للحياةِ .
لشهوةِ امرأةٍ تصوغُ المسْكَ والحنّاءَ .
تلبسُ في المساءِ ، الهاشميَّ ، ووجهُها ثمِلٌ بريحِ البحرِ .
مَن يأتي غداً ؟
كانت مبارَكةً يداكَ . وكنتَ تهجِسُ نبضةَ الصلصالِ حينَ تمسُّهُ …
وتحسُّ بالأحفادِ يضطربون تحتَ يديكَ
حين تعانقُ امرأةً …
مُهاجرَ حضرموت !
(9)
للبحرِ ، أنت تعودُ مرتبكاً
والعُمرُ
تنشرهُ وتطويهِ
لو كنتَ تعرفُ كلَّ ما فيهِ
لمشَيتَ فوق مياهه ، ملِكاً .
( 10)
خشبُ السفينةِ لم يَعُدْ بيدَيكَ كالصلصالِ.
لونُ البحرِ أكثرُ وحشةً ممّا ظننتَ .
وهذه الآفاقُ تعرفُها وتُنكِرُها : الرياحُ تهبُّ ، والأسماكُ تسْبِقُها
وورداتُ ابنِ ماجدٍ الكشيفةُ ، هل نسِيتَ نداءَها ؟
كانت تشيرُ ، تُشيرُ … والأسماكُ قبل الريحِ …
لونُ الماءِ قبل الريحِ . والأخشابُ تُنذِرُ بالعواصفِ .
طائرٌ يأتي . أتعرفُهُ ؟ وأهلُ البحرِ ؟ كنتَ تُحِسُّ في أحداقِهِم يوماً سبيلَكَ
تهجِسُ اللفَتاتِ حين تشِفُّ أو تقسو ،
وتقرأُ في ملابسهم خطوطَ القلبِ …
أنت الآنَ منفردٌ بغرفتِكَ الصغيرةِ ،
ربّما أومأتَ للأمواجِ منكسراً …
ستبلُغُ حضرموتَ
تعودُ …
لكنْ لستَ مثل النهرِ حين يعودُ نحو المنبعِ السرّيِّ .
أنت الآنَ تَبلغُ حضرموتَ ، مُقَرَّحَ الجفنَينِ
تبْلغُها كليلَ العين والرئتَينِ
تبلغُها ثقيلَ الخطوِ …
لا امرأةٌ مُحَنّاةُ اليدَينِ ، صغيرةُ القدَمينِ
تثملُ بانتظارِكَ
لا حفيدٌ سوف يحملُ عنكَ صندوقَ الـمُسافرِ …
ما الذي عادتْ به سنواتُكَ الستّونَ ؟
أنتَ تقولُ : مملكةً بنَيتُ
ونخلةً أنبَتُّ
وامرأةً عشقتُ .
تقولُ : أحفاداً تركتُ هناكَ …
وهماً كانت السنواتُ :ا
وحدك قابعٌ في غرفةٍ خشبيّةٍ ،
والبرقُ يصبغُ بالبنفسجِ لحظةً جفنَيكَ ،
يصبغُ بالبنفسجِ ما تبَقّى من جدائلِكَ الجميلةْ .
(11)
أحفادُه في الأرضِ ينتشرون كالأغصانْ
احفادهُ يأتونْ
أحفادُه في دهشةِ الإيمانْ
ينسَونَ ما يأتونْ .
12)
يتقاسمُ الأحفادُ مملكةً مُخرّبةً ، ويستهدون بالسقَطاتِ .
ساحلُ حضرموتَ يمرُّ في النجمِ الذي يتداولونَ مخَبّأً .
والجَدُّ مرتسمٌ على راحاتِهم خطّاً من التيزابِ …
طولَ الليلِ ينتظرون حوريّاتِهم . والصبحَ ينتقلون في العرَباتِ
مُفترَقاتُهم كثُرَتْ
وأيُّ مسالكَ اختلطتْ
وأيُّ مَعالِمَ التاثَتْ …
أينهضُ بينهم في الفجرِ ، مَن سيشيرُ معتنقاً ذراعَ حبيبةٍ
متنكّباً :
” من ههنا سنسيرُ ” ؟
نصفُ محارةٍ في النهرِ ،
نصفٌ آخَرُ التقطتْهُ حوريّاتُهم .
أيّانَ تنطبقُ المحارةُ مرّةً أخرى ، ويأتيهم زمانُ السرِّ والتكوينِ ؟
آتٍ أنتَ يا زمناً سنحياهُ
وآتٍ أنتَ يا زمناً سننساهُ
وآتٍ أنتَ يا زمناً نُبادلُه مرارةَ حضرموتَ معاً
وندخلُ فيه دارَ الجَدّ …
فتياناً ملائكةً
ونُنْبِتُ نخلةً
ونعانقُ امرأةً
.ونقولُ : عادَ الجَدّ …