كلما اسمع سورة الكهف او اقرؤها، استعيد في ذهني تلك الافتتاحية المهمة التي كتبها الاستاذ ابو الطيب في انجاز المرحلة الاولى من اعادة الاعمار في نيسان 1991 عندما استعار قوله تعالى على لسان الاسكندر: (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا). ولاول مرة في افتتاحيات الصحف الحكومية في العراق ان يتم اختيار عنوان قرآني اذا جاز التعبير، فقد كان عنوان الافتتاحية زبر الحديد. هذه الايام والعمل تحت ضغط القصف، اعتقد هي من جعلت ابو الطيب (مناوراً) لايُمكن مجاراته وهو يدير مجموعة الشرقية.
العمل تحت القصف
في اليوم التاسع للحرب عادت العزيزة فردوس العبادي للعمل، تركت المهناوية حيث الأهل، واتخذت من منزل جدتها في الحرية مكاناً لها. ولم تتحمل مريم السناطي البقاء في المقر البديل بالموصل وعادت هي الاخرى الى الى بغداد، ويقي الراحلان محمد فخري رزوقي وزامل غنام في الجنوب يجوبان في المدن وقواطع العمليات. وبينما ينهمك الجميع في التهيئة لعدد الغد من الجريدة، فان الراحل د. لؤي مجيد حسن يتولى الاشراف على المنجز الصباحي، بينما يتولى الزملاء زهير وحسن ونصير ومعهم حسام سري والانصات انجاز الصحيفة بشكلها النهائي.
كانت رحلة شاقة تكتنفها المخاطر، حتى ان رحلة الذهاب والاياب الى الجريدة كانت هي الاخرى محفوفة بالمخاطر، لكنني حين استعيدها اليوم في ذاكرتي بعد اكثر من ثلاثين عاماً، اجد ان البسمة والضحكة لم تفارقنا، كأننا كنا نسخر من خوفنا.. هل كنا نجد في نكاتنا وضحكاتنا وابتسامة ابو الطيب المشرقة الأمل في الحياة.في الجمهورية التي نحب، كان ابو الطيب قد وضع اساساً لعمل المحررين، الأول: مراسلو المحليات يتابعون الأوضاع اليومية المعاشية للمواطنين سواء مع المسؤولين التنفيذيين او الحزبيين، بينما يقوم محررو قسم المقابلات الذي استحدثه البزاز قبل الحرب بملاحقة تداعيات الحرب في الوطن العربي والعالم من خلال الوفود في فندق الرشيد. وهنا لابد من استذكار الدور المهم الذي قدمه الاعلامي الاردني ميشال الحاج من مساعدة مهمة لي وللزميلة لهيب عبد الخالق في اليوم الأول للحرب، عندما قدم لنا ماسجلته عدسة CNN من لقاءات حصرية، ولم يكتف بذلك بل ان معرفته بمواعيد وصول بعض الوفود فأبلغنا بها، حيث استمرت لهيب بمتابعتها. في هذه الفترة كانت رواتب الموظفين التي تأخرت بسبب الحرب، قد بوشر بصرفها، فكان لزاماً استلامها لتوزيعها على العاملين.. واذ تم استلامها فقد ابلغ مدير الحسابات رعد، الزميلات في الحسابات بالحضور الى مقر الجريدة لتوزيعها.. كان الاستاذ ابو الطيب قد اصدر في بداية استلامه رئاسة تحرير الجمهورية بتسليم الرواتب في مظاريف. طبعا قامت نضال وهناء واخريات بتوزيع الرواتب على المظاريف وكتابة الاسم عليها، لكن المفارقة ان الزميلات كن يعملن في الطابق الثاني، ويومها كانت الطلعات الجوية والقصف شبه مستمر، فأدى الخوف الى (خربطة) كبيرة في المبالغ زيادة او نقصاناً، وحين علم الاستاذ ابو الطيب بذلك، لم يثر أو يغضب وانما قام بتسويتها من ماله الخاص، من دون محاسبة الحسابات..هذه واحدة من لفتتات ابو الطيب المهمة في تقدير ما يمكن أن يؤثر على العاملين تحت القصف.