بعد إنهيار منظومة القيم الأخلاقية , وصعود مؤشر الهياج القطيعي في استهداف الممتلكات العامة ونهب موجوداتها , كانت الإذاعة والتلفزيون واحدة من أهداف الجياع المنفلتين , وكان أرشيفها الثمين صيداً لأولئك الناقمين , فإستحوذوا على الأرشيف الموسيقى والدرامي لهذه المؤسسة العريقة , وصارت أشرطة البرامج والأغاني مطروحة للتداول والتبادل في أماكن واسعة ومتعددة من مدننا التي هالها ما جرى من تخريب منظم وتدمير مقصود , ولم تعد أقدم إذاعة في المنطقة العربية كما كانت مرجعاً أمنياً لحفظ الذاكراة الجمعيّة عبر عمرها التليد, ولم تحرك الجهات المعنية نفسها في البحث عن ذلك الأرشيف وتعيده الى مأمنه بعد أن تصون ما تعرض للتلف والانتهاك منه , ورغم مرور عقدين من الزمن على ما جرى ,فاننا ما نزال ننتظر إعادة ذلك التراث وحفظه ليظل ابناء الوطن على دراية بتأريخهم القريب, وياليتنا باشرنا الإعلان عن حملة شعبية لجمع ما بقي من هذا الأرشيف , وليكن اصحاب الشأن من موسيقين ومطربين وممثلين في مقدمة من ينهض بهذه المهمة الوطنية الكبيرة , ولا يمكن لأي واحد منّا ان ينسى ذلك الأرث العظيم الذي تركه لنا من سبقنا على هذا الدرب الطويل , ولا أريد هنا أن استفز ذاكرة من يهمه الأمر بتعداد الكم الهائل من الأشرطة الغنائية والدرامية التي ضيعها الجهلة والحمقى وأصحاب النفوس المغيبة عن الوعي والكارهة للحياة وجمالها ..
أن شبكة الاعلام العراقي الحالية بدوائرها المختلفة مدعوة للتحرك على الفنانين واستنهاض همهم في إعادة ما بحوزتهم من أشرطة ورقوق لكي يعاد صيانتها والحصول على نسبة من هذا الارشيف المفقود الذي تعّرض للنهب والتخريب … وعلى نقابة الفنانين العراقيين وادارتها الراهنة المشاركة الجادة في مثل هذا المسعى الإنساني .
وأخيراً…أيها المعنيون لنكن بمستوى المسؤولية الوطنية والاخلاقية , ولنعمل كل من موقعه على حفظ ماء وجوهنا وصيانة ابداعات مبدعينا لنباهي بها الآخرين , ولست هنا في موقع الواعظ ولكن المسؤولية والشعور بالحرص على تراثنا المجيد هو من أطلق في داخلي هذه الاستغاثة … فهل نحن فاعلون؟