سمعنا كلاماً عن الفساد في العراق من مسؤولين وجهات رقابية وسياسية وقضائية وإعلامية، لكن التصريح الذي يصدر عن المسؤول الأول في الدولة له معنى خاص، واهمية لا يمكن تجاوزها وعدّها كلاما عابراً، حتى لو افترضنا ورودها في كلامه في سياق المرور العابر.
رئيس الحكومة يؤكد انّ برنامجه قائم على استعادة الأموال المنهوبة من ميزانية العراق، وأعلن مكتبه أمس عن استعادة ثمانين مليون دولار وهو مبلغ بسيط من مبلغ سبق ان جرى الإعلان عنه، يتجاوز مليارين ونصف الميار من الدولارات، في إطار سرقة واحدة ومحددة المكان والزمان ومحصورة في أموال الضرائب، ولا علاقة لها بالأموال المليارية التي نهبت من البلاد عبر عقدين من الزمن. والوقائع اثبتت ان ثمانين مليون دولار قد لا تشكل دفوعات سرية لعمولات ورشى.
الخطير في التصريح الجديد، هو انّ العراق كانت تخرج من أمواله كل يوم ثلاثمائة مليون دولار بحجة الاستيراد وعبر تحويلات مزورة ومنذ سنوات عديدة، وتساءل المسؤول الأول عن ماهية الحاجات التي يمكن ان يستوردها البلد بهذا المبلغ الهائل في كل يوم؟ تاركاً التساؤل مفتوحاً بعرض مساحة العراق المنهوب وطولها، ليؤشر على ضخامة منظومة الفساد وقوتها.
وأمام هذه الحقيقة، تكون المهمة انتحارية في إيقاف هذا النهب الذي يُقال انه اودى برأس أحمد الجلبي حين كشف جانباً واحداً من المستور. ويبدو انّ من الأسلم والأدق هو ان يحمل رئيس الحكومة كل معطيات الفساد الى مجلس النواب، لتحدث هناك مواجهة حقيقية ومصارحة بالإجراءات الواجب اتخاذها بأثر رجعي، لأنّ السرقات قد تمّت على مدى سنوات، وأنه لا معنى لمكافحة الفساد اذا حددنا سنتين وثلاث سنوات كمدى زمني تغطية عمليات ملاحقة الفاسدين واسترجاع الأموال المسروقة. كما ان كلام المسؤول الأول في القناة التلفازية الحكومية يكشف ببساطة عن إمكانية تتبع مصادر التحويلات المزورة مهما كانت قديمة، وانّ المسألة واضحة وضوح الشمس، فالجهات والأشخاص وأوامر الصرف لا تزال تحت اليد ومعروف، لكن الكشف عن تفاصيلها يتطلب قراراً سياسياً كبيراً محلياً ودولياً في الوقت ذاته، ولا يمكن ان يكون العراقيون في كل مرة أسرى تصريحات في الاعلام لا تكون لها مرادفات بمستوى معلوماتها على أرض الواقع، وهذا صلب معنى المسؤولية والقَسم الحكومي