سيرة حافلة

– ربما يجهل الكثير من العراقيين والعرب انه كان كردي الأصل.. ينتسب إلى عائلة كردية معروفة.

– ومثل هذا الأمر سيكون ملفتاً للانتباه لكثير من قراء هذه المقالة.. حيث هنالك الكثير من الأسماء الكردية العراقية نشطت في تنظيمات الحركة القومية العربية وترعرعت في أحضان الثقافة العربية وعقيدتها القومية السياسية.

– ومنهم د. وميض جمال عمر نظمي، حفيد الوزير الكردي المعروف:عمر نظمي.. من عشيرة الونداوي الكردية في كفري.

– الذي اعتبره البعض من قراءه انه بات منظرا ومؤرخا لقضايا القومية العربية والحركة الاستقلالية في العراق.

– رغم أن جده الوزير عمر نظمي سبق أن تقلد مقاعد وزارية لفترة طويلة خلال العهد الملكي على أساس كرديته.

– توزير جده عمر نظمي في العهد الملكي تم وفقا لمبدأ المحاصصة القومية في العراق.

– حيث كان يمثل المقعد الكردي في جميع الوزارات التي استوزر فيها. فالوزير عمر نظمي أصبح وزيراً ل(21) مرة في العهد الملكي.. ابتداء من وزارة نوري السعيد بتاريخ 25/1/1938.. وقبل ذلك كان متصرفاً في كركوك.

– أما أبوه جمال عمر نظمي فقد كان متصرفاً في لواء اربيل في العهد الملكي العام 1944.. ثم أصبح وزيراً في وزارة علي جودت الأيوبي بتاريخ 17/6/1957.

– ولد وميض جمال عمر نظمي في بغداد العام 1941.

– وفي الخمسينيات من القرن الماضي طُرد التلميذ وميض عمر نظمي من العراق أيام نوري السعيد لدوره في مسيرات رفض حلف بغداد وسياسات الحكم آنذاك.. رغم قرب موقع والده من الحكومة.

– فذهب وميض جمال عمر نظمي طالباً لمواصلة التعليم في الثانوية العامة (I.C.) في بيروت.

– ومن هناك ارتبط الفتى بالقضايا القومية العربية حين وقف بحزم ضد انفصال سورية من الجمهورية العربية المتحدة وسقوط أول تجربة للوحدة العربية.

– فوقف مع قيادة جمال عبد الناصر واتجه اتجاها قوميا كمناضل فاعل في اغلب التنظيمات القومية في العراق والوطن العربي.

– تخرج وميض جمال عمر نظمي من كلية الحقوق العراقية العام 1964.

– وحاز على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة درهام بإنكلترا العام 1974.

– كانت أطروحته [الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية الاستقلالية، أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت 1984 ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه].

– كان رئيساً للاتحاد العام للطلاب العرب في المملكة المتحدة وإيرلندا.. في الفترة ما بين 1971 – 1974.

– عمل كرئيس لقسم العلوم السياسية في جامعة بغداد للفترة ما بين 1976 – 1982.

– وكان رئيساً لمركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد.. خلال عامي 1980 و1981.

– له كتب ومقالات ومحاضرات وتراجم في المواضيع التالية: الفكر العربي الإسلامي.. الفكر الاشتراكي.. الفكر القومي العربي.. التطور السياسي المعاصر في العراق.. الاستعمار والإمبريالية.. التخلف والتنمية.. الأوضاع السياسية في بعض بلدان العالم الثالث.

– من ابرز أبحاثه ” مستقبل عروبة العراق” الذي قدمه في ندوة [احتلال العراق وتداعياته: عربياً وإقليميا ودولياً] ببيروت في الفترة بين 8 – 11 مارس / آذار 2004.

– الخلاصة التي ينتهي إليها بحثه الغني بالوقائع الفكرية والتاريخية: (…أعتقد بأن العروبة باقية في العراق كهوية وكفعل وكحركة. وكل هوية أخرى ” غير هوية الاثنيات والقوميات” إلى زوال.

– فالعروبة في فهمنا هي أكثر ما ينفع الناس وكل ما سواها هو الزبد).

– بقي وميض وإخوانه على صلة بشخصيات كردية.. متفهماً لأوجاعها وهو يقول: (…لا يمكن أن أكون قومياً عربياً… وامنع غيري من التمسك بهويته القومية…).

– فاستحق احترام العديد من الأكراد كما العديد من أبناء المكونات العراقية الأخرى.

– كان الدكتور وميض نظمي من أبرز الشخصيات العراقية المقاومة للاحتلال.

– وأسس مع شخصيات عراقية المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي.. وحركة التيار القومي العربي.

 

– خلال الحصار على العراق ترأس اللجنة العربية للتضامن مع الشعب العراقي في وجه الحصار العام 1991.

– وكان مؤسسا وعضوا للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي لدورات عديدة.

– منذ تأسيس المؤتمر القومي العربي.. ثم القومي / الإسلامي في أوائل التسعينات حتى أقعده المرض عن المشاركة.

– كان وميض يمثل انموذجاً للمعارض الوطني الذي يرفض أن تكون معارضته جسراً لعبور المستعمر إلى وطنه.

– فاستحق احترام الجميع بمن فيهم من كانوا في السلطة آنذاك الذين كانوا يقولون وميض نظمي معارض من نوع مختلف عن معارضي الفنادق في الخارج.

– كان وميض أستاذي.. الذي علمني كتابة التاريخ.. بمهنية.. وحيادية.. وصدق.. وأمانة.

ـ السلام عليك يوم ولدت.. ويوم رحلت عن هذه الدنيا الفانية.. ويوم تبعث حياً.

– إن شاء الله.. في جنات خالداً فيها.. فهذا مكان العلماء الأمينين في علمهم ومسيرتهم ووطنيتهم.

– حتى الله تعالى ذكرهم في آياتٍ كريمة عديدة.

ـ أستاذي الفاضل الدكتور وميض عمر نظمي: عرفتكً منذ ستينيات القرن الماضي.. مناضلاً شجاعاً.. عربياً.. وعراقياً.. مخلصا لبلده العراق.. ووطنه الكبير الوطن العربي.

– وفدائيا شجاعاً ضد الصهيونية وإسرائيل.. وعقلية علمية ماركسية بإطارها القومي.. إن صح التعبير.

ـ عرفتكً شخصياً عندما قبلتُ أنا في الدراسات العليا العام 1974.. ولم يكن القبول في تلك السنة على أساس حزبي.

– بل على أساس المعدل والدرجات.. فكان اسمي الأول في صفحة القبول.. وكنتً أنت رئيس قسم الدراسات العليا.. في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد.

ـ عرفتكً علمياً حقيقياً.. فالعلم عندك لخدمة الوطن.. والشعب.. والتطور.. والرفاهية.. ولا غير ذلك!!

ـ عرفتكً متواضعاً.. ككل علماء العراق والعالم الحقيقيون.

ـ عرفتكً ترعى الطلبة صغيرهم وكبيرهم.. لا تفرق بينهم.. عرفتكً تربويا يشيد بك زملائك وطلابك.

ـ عندما جئتكً.. وأنا في حيرة من أمرني عن موضوع رسالتي.. وطرحت لك موضوعين.

– قلت لي: اكتب عن الموضوع الاول (الأحزاب السرية في العراق في العهد الملكي حتى قيام ثورة تموز 1958).

– لكنكً اعتذرت في البداية على الإشراف على رسالتي.. ومن ثم قبلتً.. بعد أن رأيت بحوثي ومؤلفاتي.. فاقتنعتً بأنني كد الموضوع.. إن صح التعبير.

ـ كنتً سيدي واستاذي وملهمي.. عندما طلبوا تغيير موضوعي.. من الاحزاب السرية الى حزب واحد.. فقلتً لا تخشى شيئاً.. يبقى موضوعك نفسه.. فقط نغير العنوان والمقدمة مع بعض النقاط.. وهو ما تم!!

ـ أستاذي الكريم: كان الامتحان الأكبر عندما قدمتُ لك البحثين الأولين عن رسالتي.. فبعد أسبوعين جئتكً.. فقلت ليً بحزم: وما زالت كلمتك ترنُ في أذني.. وأنت توصيني:

– (كن أميناً في كتابتكً.. وتضع جانباً أحكامك المسبقة أو رأيك.. سواء كنتً مؤيداً أو معارضاً.

– وان وجدتً رأيين مختلفين عن حقيقة أو حادثة معينة أكتب الرأيين.. ولا ترجح أحدهما على الآخر إلا بالحقائق الملموسة).

ـ أتذكركً أستاذي الجليل كل يوم.. وكل ما أبدأ بكتابة مقال أو دراسة أو حتى في كتابة منشور.. فلا ترجيح رأي لأنني معه.. أو التقليل من رأي لأنني أختلف معه.

– وانت تفتخر بيً عند مناقشة رسالتي.. وحصلت على مرتبة الامتياز في رسالتيً “الماجستير والدكتوراه”.. مع التوصية بطبعهما على حساب جامعة بغداد.. و

– مثل هذه الدرجة كانت في زماننا قليلة جداً .. وتمنح للرسائل المتميزة بكل شكل شيء.. حتى بلغتها!!

ـ وعندما أصبحنا أصدقاء.. والتقيكً خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية كانت آراءك سديدة.

– أتذكرك.. وأنت تقول أخاف على العراق أن يدمر بعنجهية الحكام.. وملامح وجهك كانت يقينية في انه سائر نحو التدمير.

ـ أستاذي الفاضل: تميزكً إنكً أحد أبرز الأكاديميين العراقيين.. أستاذاً.. وباحثاً موسوعياً في مجالات الحقوق.. والعلوم السياسية.. والتاريخ.. والفكر السياسي المعاصر للعراق.

ـ كثيرة هي المناصب التي قدمت لك.. وأنت رفضتها كلها.. بأسلوبك الهادئ العنيد وبأدبك الجم.. ومهما حاولوا.. بقيتً أنت الشجاع.

– لكنك كنتً مصراً على عدم تسلم أي منصب.. فانت كنت سبقاً لزمنك.. وتعرف ماذا يريدون من منحك المناصب العليا!!

ـ أستاذي الفاضل.. العراقيون لا ينسون مواقفكً.. فكنتً في طليعة الشخصيات الوطنية والقومية التي وقفت ضد الحصار والعدوان الثلاثيني الظالم على بلدنا 1991.

ـ وترأست اللجنة العربية للتضامن مع الشعب العراقي بوجه الحصار.. في الوقت الذي كانت المعارضة العراقية في الخارج تنعق ليل نهار بتشديد الحصار على العراق.. ولم يميزوا بين النظام والشعب.

ـ أستاذي الفاضل.. رفضتً بإصرار الدكتاتورية.. وبقيت تبشر بالديمقراطية والتعددية.

– ومورست ضدك اقسى الأساليب من سجن وتعذيب ومطاردة وتغريب.. وكل هذا لم يمنعك في الاستمرار في أداء رسالتك.

ـ وعندما وقع الاحتلال البغيض العام 2003.. كنت أول الرافضين له.. وعملتً كل ما بوسعك من نشاط على المستوى الجماهيري والكتابة لمحاربة هذا الاحتلال البغيض.

ـ كنتً أنت أهلاً للوقوف الى جنب شعبكً.. فوقفت ككل الرجال الميامين مقاتلاً من أجل جلب لشعبك الدواء من كل مكان.. ليعش الإنسان العراقي.. وليتعافى المريض.. بلا ثمن.

– ونجحت في المهمة نجاحاً باهراً.. ولم تكل أو تمل.. بل كنتً بوحدكً خلية نحل متكاملة.. ولم تتوقف حتى عندما كنتً مريضاً.

ـ ساهمتً أنت منذ اللحظات الأولى للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 في معظم الجهود الوطنية التي سعت بإخلاص لمواجهة الاحتلال والعملية السياسية.

– وظل حلمكً بناء جبهة وطنية عراقية شاملة في العراق بجهد متميز.. لدعم المقاومة الوطنية الباسلة ومناصرة أحرار العراق في كل المحافل الوطنية والقومية والدولية.

ـ التقيتكً أستاذي العزيز ونار الحرب الطائفية العام 2007 تتأجج أوارها في كل شارع من العراق..

– فقلتً أنت كلماتك الحازمة.. “تموت الطائفية ويحيا العراق”.. وقلبكً يعتصر دماً على العراق.

ـ وبرغم مرضكً.. كنت أنت مريضاً أيضاً على العراق.. فكيف ينحدر شعبنا في الطائفية.. ولا من عاقل في الحكم.

ـ أستاذي الجليل.. أنا هذه الأيام منشغل في تأليف كتابي الجديد: (شخصيات العراق الديمقراطي 2003 ـ 2020).. أتناول فيه 100 شخصية تسلمت مناصب عليا أو أعضاءً في مجلس النواب.

– ما أحوجني لكلماتكً.. وآراؤكً الوطنية السديدة..

– وما زالت كلماتكً ونصائحكً ليً نبراساً في طريقي البحثي.. والعلمي.. والعملي.. لخدمة وطني العراق وشعبي الجريح.. الذي لم يتوقف دمه يسيل منذ 50 سنة.

– إلا إن كلماتكً مازالت ترنُ في أذني.. عندما كنتً تقول: “يبقى الشعب.. ويرحل الآخرون”.

ـ نعم.. يا أستاذي الشعب العراقي.. بدأ يعي ما هو المطلوب منه.. لكن الطريق شاق.. شاق وطويل.. والأعداء وخدمهم والفاسدين كثيرون.. ولا يهمهم الشعب.. بل تهمهم.. أنفسهم كصدام وزبانيته.

ـ أستاذي العزيز: نحن في أدق مرحلة اليوم.. أما الشعب أو الأعداء.. أما الوطن أو لا وطن.. اما التحرر والسيادة الكاملة.. واما الاحتلال بكل صيغه السياسية والاقتصادية والاجتماعية!!

ـ أستاذي الفاضل.. غادرتنا إلى جوار ربكً يوم الثلاثاء 11/10/2016.. وأنت تحمل هًم العراق معكً لقبركً.

ـ رحلت سيدي.. وأنت تشعر بالأمل وبقدرة العراقيين على دحر الاحتلال.. والتخلص من توابعه الكارثية ومن المتعاونين معه.

ـ غادرتنا.. يا أبرز الشخصيات الوطنية العراقية.. أحقاً أستاذنا الدكتور وميض عمر نظمي يغادر العراق.. والألم يقتله على وطنه.

ـ أبكيكً يا أستاذي.. مثلما أشمخ وأفخر بكً.. ومثلما يشمخ بك كل العراق.. وكل شعب العراق.. وكل علماء العراق.

ـ وأكرر ان للعلماء الحقيقيون الوطنيون مكاناً خاصة في جنات ربنا.. هنيئا لك سيدي.. وهنيئاً لكل علماء العراق الحقيقيون.. الذين نذروا علمهم وانفسهم للعراق.

ـ ربي وَسع رحمتكً على أستاذي الجليل وميض عمر نظمي.. وأنت أعلم كم خدمً من أجل العراق.. ومن أجل العِلْمِ والعلماء.. وأنت أرحم الراحمين.

التوقيع …. تلميذك.. الذي كنت تناديه: (ايها الشجاع.. ايها الهادي.. كن هاديا بعلمك لخدمة العراق).

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *