يُركب حسين الذكر في كتابه ( شفرات حيوانسانية ) ما بين بيئات مختلفة ، تصنم الجنس البشري ، وسواه ، من اجناس نامية ، ومتناسلة ، وكانهم مرتبطين بصلة قربى ، بيلوجية ، وبعض ردود أفعال انعكاسية للحفاظ على ( الانواع ) ، رغم تفاوت البيئات ومهما كانت درجات الحرارة والبرودة في اقطاب الكرة الأرضية وربما يحاول العلم جاهدا ، لمقاربة هذه الشفرات المشتركة في ظل العولمة وشبكات التقنيات الخارقة .
يتناول الذكر في (عنوانات ) كتابه .. مثل ( ما بعد الاغرودة ) ، للوقوف عند الصوت ، بطائر يشبه الموسيقى كما البلبل في تغريداته ، التي تملا غربة الانسان بالمحبة والامنيات بترانيم واشجان تتعالى على مسوخ بشرية لا تمتلك نقاء الضمير .. ثم ينتقل بنا في عنوان ( ضمير حرباوي ) ، عن أسلحة تدميرية تغتال حتى الطفولة ونصاعة البراءة لتتركهم بمقاربة قانية سوداء مثل افعى تختطف السعادة منهم .. والتي تسلب غريزيا ارواحا بلورية نقية لتفزع البشر والحيوان والطير وتقض مواضع اجداث الموتى ، وحواضن الأطفال بحرباوية قاتلة تنشر الموت بالثار النابع من بشر يقبعون باسفل السافلين ولأميين جهلة يتوزعون ما بين ( ملدوغ ولادغ ) .
( في لحن الفجر ) .. يلتقط الكاتب علاقة الديك والدجاجة ليشركا الانسان بالبساطة والحكمة بضمير حي تمنعه من ( سخر الطبيعة ) ، اما ( ثعلبية الانسان ) ، فهي تظهر حين يبرر الانسان خطاياه ليسقطها على كائن غيره لان زمن الثعالب الحيوانية قد ولى ليتقمصها بشر عتاة ، يدورون في بقاع مدننا موزعين ضحاياهم في سهوب وصحارى وبحار وسماء … كذلك ب( خواء في الصحراء ) .. يظهر الذكر : خطط جنود الموت لانفجار قاتل في استهداف طفل صغير .. اما ( البعير ) .. فما زال الأطفال في المدن يلاحقونه وهو يمر لبيع الملح ، ولكن سجل التاريخ يذكرنا بمآسي الغازي الصحراوي وتصدي ( الاولياء والصالحين والفلاسفة ) وهم يعتلون صهوات المجد .
في ( عالم العصافير ) التي تبني اعشاشا بعيدا عن سطوة الانسان .
فالطير لن ينجو في بيوتنا من ( قطة ) تنهش عظامه . .
اما ( الخفافيش ) فهي متلصلص ليلي يملا سماء البشر ، يتوجسون منه ، وهم احياء او اموات يخال للانسان بان الخفافيش تنبش القبور ..
في ( تزاحم الذباب ) .. اتسعت حدقات الردع الذبابي والتخلص من أصداء طنينها وجعلها مجرد رقم هامشي .. اما (في سجن الهدهد ) فقد افاد سلاطين الأرض في معاقبة خصومهم بانتهازية مزعومة وعصيان وتامر وخيانة . كذلك (شؤم البوم) اذ يعدونها الناس من أرواح شريرة ورمزا للكراهية وهي اكذوبة الحقت طائر بريء قياسا لملايين خطايا الأصناف البشرية عبر التاريخ .. كذا ( صهيل في الميدان ) .. ينبئنا عن خيول وشحذ سيوف وتشوهات رفضت عنوان الهالة والتقديس وجعلت الحصان يخدم الباطشين بتاطير مؤسساتي ايديلوجي تحت قبضة العنتريات ! ..
ثم يتابع الذكر سردياته عن ( النمل ) ، و( عرين الأسد) ، و( الغراب الأسود ) ، و( حتما ستعود القطط ) ، و (قطيع ) ، و( مملكة النحل ) ، و( منلوجية العواء ) ، و(نهيق ما بعد الغروب ) ، ونورس على دجلة …. ) .
هذا الضرب من الكتابة السردية يخفي مفارقة بينة بأسلوب السجع الساخر ، ربما يذكرنا بدعابات عربية قديمة منذ الجاحظ والمقامات وشعراء الهجاء … وصولا الى الادب الأجنبي الساخر في العالم ، ونلحظ أيضا ان في عالمنا العربي هناك من سعى الى ( مجازات لغوية ) تقرب ما بين الانسان وسواه من الكائنات الحية .. بمقارنة ما بين ثعابين من البشر وحيوانات اليفة غير ناطقة ..
ويفرض ان د كاظم المقدادي حاول توظيف مثل هذا التجنيس بالسجع النثري في بعض مقالاته ..
اليوم يترك لنا الكاتب الإعلامي والرياضي المثقف حسين الذكر في كتابه الخاص ، من مسيرة الانسان في تطور الكائنات ، الى الانسان العاقل … وهو يسير قدما الى الامام ، حاملا جيناته الفاضلة ومعها سوءات ، لعل الحضارة الإنسانية تهذبها وتنقيها من ظلم الانسان لاخيه الانسان ورفيقه الحيوان والطير وكل ما يدب على تضاريس الكون .
——————————————————————
• انظر كتاب : ( شفرات حيوانسانية ) – حسين الذكر – دار دلمون الجديدة – ط 2 – دمشق – 2022