( لدي تخوف رهيب من أن يتم تقديسي في يوم ما ) …
نيتشه

ثمة أسئلة تدور بخلد التاريخ وهو يستنطق صفحات ويستشرف فضاءات ما قبل مهرجانات الموت المقامة على حلبات مصارعة العبيد كي يستمتع بها سكان اثنيا او روما .. الى ما بعد فاجعة الهنود الحمر حتى مذابح .. ( الهوتو والتستو) في راوندا ، ودماء العراقيين خلال خمسين سنة خلت كانموذج اكثر دقة لتوظيف الموت لصالح القوة والهيمنة ..

فردريك نيتشه ذلك الناقد الشاعر الملحن … الباحث في فقه اللغة الكلاسيكي قبل تحوله لفيلسوف فريد في التاريخ الحديث اذ حاول نقد كل ما هو سائد في عصره وقبله، فمطرقة نتشيه لم تترك شيء إلا وفككته حتى عد المتشائم شابنهور والموسيقيار ريتشارد فاغنر والممثل هوميروس هم آبائه الروحيين .
آمن نيشته بالقوة بمختلف صورها الحياتية لكنها القوة السوبرمانية الصانعة للانسان الخارق .. حاول مجتهدا إعادة التقييم وصناعة أخلاق يمكن بموجبها تحديد الخير والشر ووضع معايير جديدة لاخلاق السادة والعبيد . فمن وجهة نظره : السادة طبقة تسعى دائما لخلق قيم تتسق مع مصالحها وتقمع أي تجدد لدى العبيد والمجموعات الأكثر ضعفًا، فاخلاق السادة – من وجهة نظر نيتشوية – تتيح للإنسان التصرف طبقًا لغرائزه ولا تُقيد حريته، فيما اخلاق العبيد تميل بشكل أساسي لخلق وهم الضمير والمسؤولية الأخلاقية المقيدة للإنسان .

في روما التي ورثت شرائع الطبقية من أثينا كان مشهد جثث العبيد المصلوبين على جذوع الأشجار من المشاهد الشائعة في الإمبراطورية الرومانية التي لا تثير أي اشمئزاز او رحمة لدى سادة روما ممن هم لهم حق بيع العبيد وسجنهم وجلدهم وكيهم بالنار وصلبهم .. لاي سبب وان كان تافها .. فضلا عن حق السيد ممارسة الجنس مع عبيده وجواريه .. وقد بلغ الضحك حد البكاء حينما قتل احد العبيد سيده .. فصوت مجلس المحلفين بإعدام جميع عبيد السيد المقتول وعددهم اربعمائة عبد .. وحينما اعترضت اقلية في المجلس على هذه القسوة .. قال لهم رئيس المحلفين : ( مهلا يا ساد : لا نؤمن على انفسنا الا بمثل هذه القسوة ) .
نيتشه الفيلسوف الصامت الزاهد احزنه حال العبيد الذي هم مجرد قطيع تتحمل وتتعايش مع ظروف العبودية والضعف والفقر، وتحملهم على امل مكافئتهم في المستقبل أو بعد الممات، فيما السادة يكسبون عاجلا ولا يعترفون بالاجل ، الا من قبيل ما يعزز الفكرة في باطن وظاهر العبيد .
لقد حاولت قوى الهيمنة العالمية تسويق نيتشه أبا روحيا وقدوة وملهم للجزار الصنيعة ( هتلر ) .. مع ان الفكر الحر الواعي يرفض ويستنكر الفكرة ، فهناك فارق شاسع بين فيلسوف مبدع صانع لفكره بعيدا عن صنمية وبباغوية التوريث .. وبين طاغية كارتوني تم صنعه لاداء دور محدد ليزاح بعدها كما تلتهم النار الهشيم . فمجرد التمعن بسيرة البطل الكارتوني ( هتلر ) تتضح ملامح قرقوزيته المصنوعة من قراصنة كبار اردوا تسويق حضارة عالمية جديدة ظلت تعمل بهدوء طوال ثلاثة قرون قبل ان تشرع بازاحة التقاليد الاوربية عن طريقها ..
ففي وقت تعد فيه الهتلرية حاجة امبريالية ملحة لتغيير وجه القيادة العالمية وتحويل مسارها من الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس الى امبراطورية العم سام . كان نيتشه رسول الفلسفة السابق لزمانه بعصور يستشرف الواقع ليُكفر ويُكّفر كل ظلم للإنسان تحت قيم منحطة متوارثة او همية كاذبة ..
هناك من برأ نيتشه من النازية قائلا : ( نيتشه نزعة فردية لا تتفق مع النازية التي تُدين الحرية وتؤيد مصالح الجموع على حساب الفرد، فيما كان نيتشه يكره نفاق الجماهير ويسميهم بالرعاع .. ) .
آخر أيام حياته وبعد ان آمن بالاعتزال أصيب نيتشه بمرض شديد شارف فيه على الموت .. فسارع بكتابة وتبليغ وصيته لاخته، قائلا : ( إذا ما متّ يا أختاه لا تجعلي أحد القساوسة يتلو عليّ بعض الترهات في لحظة لا أستطيع فيها الدفاع عن نفسي) .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *