الكاتب عوني القلمجي
لكي نقطع الطريق على المتصيدين في الماء العكر، ونرفع في الوقت نفسه، أي التباس او تأويل يشير ولو بقدر ضئيل، الى ان كاتب هذه السطور يميل الى هذا الطرف او ذاك، من المؤتلفين تحت خيمة العار المسماة بالعملية السياسية. فجميع هؤلاء هم عملاء وحرامية بامتياز. بعبارة أخرى، فالمقصود هنا ليس الوقوف الى جانب هذا الشرير او ذاك، وانما الغرض فضح هؤلاء الأشرار وادانتهم بالأدلة التي ادلوا بها علنا، بعد الخلافات التي حدثت بينهم حول تقاسم الغنائم.
بعد ان وضعت حرب الانتخابات اوزارها، بمصادقة المحكمة العليا على نتائجها، كان من المفترض ان يجد فيها عملاء المحتل وحرامية عمليته السياسية، فرصة للإفلات ولو مؤقتا من المأزق الخانق، الذي وضعتهم فيه ثورة تشرين، التي مزق صوتها الهادر شملهم وجعلهم كعصف مأكول. خاصة بعد ان تغنى بنزاهتها وخضرة صناديقها وجمال لون اصابعها البنفسجية، ما يسمى بالأمم المتحدة، وفي المقدمة منها مجلس الامن المنافق. إضافة الى دول جوار السوء من عرب وعجم. ناهيك عن الاعلام المضلل، والاقلام المأجورة، التي ركزت على النتائج “الإيجابية” التي ستترتب عليها. ومنها كذبة حكومة الأغلبية الوطنية التي لا تميل لا للشرق ولا للغرب! وما تحمله من مشاريع إصلاحية، ستنقل العراق من الجحيم الى الجنة.
لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث ابدا. بل حدث العكس تماما. حيث اختلف هؤلاء الأشرار فيما بينهم، وانطبق عليهم المثل العراقي القائل “من تتعارك الحرامية تظهر السرقة”. فعلى سبيل المثال رقص مقتدى الصدر وحلفاؤه، أمثال مسعود البرزاني ومحمد الحلبوس وخميس الخنجر ومشعان الجبوري فرحا، بهذا العرس الانتخابي، على حد تعبيرهم، وبعدالة القضاء العراقي ونزاهته واستقلاليته، الى اخر هذا الاوصاف الكاذبة. في حين صب في الوقت نفسه الإطار التنسيقي المهزوم في الانتخابات، من أمثال الحرامية نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي ورابعهم كلبهم المدعو حيدر العبادي، صبوا جام غضبهم على المحكمة وعلى القضاء العراقي، وهجوه بقصائد تفوق قصائد الهجاء المشهورة بين الشاعرين الكبيرين جرير والفرزدق. بل حشدوا ما لديهم من مرتزقة ودفعوا بهم للتظاهر امام المنطقة الخضراء، ونصب الخيام امام اسوارها، والتهديد باقتحامها والقاء القبض على أعضاء المحكمة.
لكن سرعان ما تبادل هؤلاء الحرامية المواقع. فبعد ان تعرضت سفينة هوشيار زيباري الى الغرق، وهي على بعد أمتار من قصر الرئاسة، اقام الإطار التنسيقي، الغاضب بالأمس القريب، احتفالات كبيرة بمناسبة وقوف المحكمة، الى جانب الدعوى التي اقاموها ضد هوشيار زيباري. حيث أصدرت حكما بعدم صحة قرار مجلس النواب بقبول طلب الترشيح للسيد هوشيار محمود محمد زيباري لمنصب رئاسة الجمهورية، ومنعته من الترشيح وفق المادة 68 من الدستور العراقي. أي لعدم توفره على شهادة حسن السيرة والسلوك والإخلاص للوطن، في حين وصفه زيباري وحزب مسعود البرزاني العضو في تحالف مقتدى بانه قرار سياسي متعمد ومبيت وغير عادل، لا يستهدف زيباري وحده وانما يستهدف الإقليم كله. بمعنى أوضح انتقلوا من موقع المديح الى موقع الذم لنفس المحكمة.
اما ما حدث بعد صدور قرار المحكمة الأخير في 15/2/2022 ، أي يوم اول أمس الثلاثاء. فيعد فضيحة من العيار الثقيل. حيث تضمن الحكم عدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 وإلغاءه لمخالفته أحكام المواد (110 و111 و112 و115 و121 و130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005. وإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى، التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط منها، إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية، الى اخر هذا القرار. ومن بعض ملامح هذه الفضيحة رفض رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني ورئيس الحكومة مسرور برزاني ورئيس الإقليم نجيرفان بارزاني القرار، واعتبروه قرارا مدفوع الثمن ومعاديا لإقليم كردستان. وتعهدوا بالدفاع عن حقوق الإقليم بكل قوة.
ولو توقف ذلك عند هذا الحد لهان الامر. فوزير الموارد الطبيعية في الإقليم، على بلو، قد ترحم في بيان رسمي على العراق الاتحادي بسبب هذا القرار، وطالب الإقليم باللجوء الى المحاكم الدولية ووضع الإقليم تحت وصاية دولية. أدراكا منه بان النتائج التي ستترتب على هذا القرار، ستحول الإقليم الذي ارتقى الى مرتبة الدولة المستقلة، الى محافظات عراقية يصبح فيها مسعود البرزاني أحد محافظيها. بل ان مسعود ذاته شعر بخطورة هذا القرار أكثر من غيره. فهو يعلم مدى أهمية سلاح النفط الذي منحه مكانة رئيس دولة بين زعماء الدول الإقليمية والاوربية. بمعنى أوضح فان مسعود حين يتحول الى محافظ أربيل، سيفقد الهيبة والمكانة التي تمتع بها جراء امتلاكه سلاح النفط. وربما سيتجاهله زعماء المنطقة وغيرهم من الزعماء. خاصة وان القرار يمنع مسعود او حكومته التصرف منفردا فيما يتعلق بالنفط والغاز في الإقليم خارج إطار ما يسمى بالحكومة الاتحادية. ومما زاد طين مسعود بلة، تخلي مقتدى عنه صراحة والى حد ما الحلبوسي. حيث أصدر الأول بيانا يؤيد فيه قرار المحكمة ويطالب بتفعيله. في حين مسك الثاني العصا من الوسط.
لينتهي الحال بهؤلاء الأشرار الى موضع سخرية واستهزاء من قبل عموم الشعب العراقي. جراء تقلباتهم من المدح الى الذم وبالعكس.
هذه ليست المرة الأولى التي يتسابق بها هؤلاء، بتوجيه الاتهامات الى عمليتهم السياسية، بكل مفرداتها من انتخابات وحكومة وبرلمان وقضاء. فعلى سبيل المثال اتهم المالكي، وهو في قيادة السلطة، غريمه آنذاك اياد علاوي بتزوير الانتخابات وطالب بإعادة الفرز بطريقة يدوية. وفي الانتخابات التي تلتها جرى حرق الصناديق علنا، وفاحت رائحة الرشوة لشراء الأصوات. لتصل حد اتهام جميع أعضاء المفوضية العليا للانتخابات، بالتزوير وفصلهم من عملهم، وإصدار أوامر من رئيس الوزراء حينها حيدر العبادي، بمنع سفرهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية. اما الاتهامات الموجهة للدستور فحدث ولا حرج. بل هم أنفسهم لم يسلموا من الفضائح. فجميع زعماء هؤلاء الأشرار ادلوا باعترافات بفشلهم في إدارة الدولة، وأكدوا اتهامات الفساد الموجهة إليهم، الى درجة قال فيها المالكي بان لديه ملفات فساد تشمل الجميع. وقال أيضا باللهجة العامية، “لو اعرض الملفات في مجلس النواب لصار ضرب البوكسات بفلس” في حين رد عليه الاخرون بالقول بنفس اللهجة، تفضل فلدينا من الملفات التي تخصك المئات وليس العشرات. يعني الجميع اعترف بأنهم حرامية.
نعم لقد اضطر هؤلاء الأشرار، بعد ان فقدوا صوابهم جراء ضربات ثوار تشرين، الى الاعتراف بصحة اتهامات المعارضين للمحتل وعمليته السياسية. ومنها ان هذه العملية السياسية فاسدة وان أطرافها ليسوا سوى خونه ومجرمين وحرامية. نعم انهم خونه لأنهم باعوا العراق للمحتل الأمريكي ووصيفه الايراني، بل باعوا أجزاء منه الى دول الجوار ومن ضمنها امارة الكويت. نعم انهم مجرمون لأنهم دمروا العراق وبناه التحتية وحطموا مصانعه ومعامله وكل مرافق الانتاج فيه. نعم انهم قتله لأنهم أشعلوا نار الفتن ودفعوا بسطاء الناس الى قتل بعضهم البعض. بنوا السجون والمعتقلات وزجوا بعشرات الالاف فيها ومات البعض منهم داخل جدرانها. اغتالوا العلماء والكفاءات العراقية والادباء والمفكرين والصحفيين وغيرهم. وكانت اخر جرائم القتل تلك التي كانت من نصيب ثوار تشرين. حيث استشهد وجرح جراءها الوف مؤلفة. نعم انهم حرامية لأنهم سرقوا المال العام والمباني والأراضي والممتلكات الحكومية وحتى الشخصية.
اما الحديث عن المكاسب التي جناها العراقيون بعد الاحتلال، فهذه كذبة يخجل منها أي انسان له ذرة من الشرف والكرامة والأخلاق. الم نرى ونسمع، بان غالبية الشعب العراقي أصبحوا عاطلين عن العمل؟ وان الكثير من الفئات الفقيرة لم يعد بإمكانها توفير الحد الادنى من المعيشة؟ الم نر بان المواطن العراقي في ظل الاحتلال بلا ماء في بلاد تضم نهري دجلة والفرات، ومحروم من المحروقات والبنزين في بلد يعوم على ابار النفط والغاز والكبريت؟ هل هناك في العاصمة بغداد، فرصة، وان كانت ضئيلة، لوضع حد لمعاناة الناس من الخلل الحاد في خدمات الكهرباء والماء والصحة؟ اين هي المستشفيات والجامعات والمدارس التي كانت عامرة ومتطورة؟ الم يعم بها الخراب والدمار، لتصبح مأوى للحيوانات السائبة.؟
لقد أصدر الشعب العراقي حكمه عليكم، ليضيف الى صفاتكم التي ذكرناها قبل قليل، صفات أخرى، فانتم في حيثيات هذا الحكم، بانكم محتالون وكذابون ومتلونون ومتقلبون. وأنكم شذاذ افاق لا شاغل لديكم سوى كسب المال الحرام وفي المقدمة منكم شيخ الكذابين والدجالين المدعو مقتدى الصدر وغريمه نوري مالكي. لكن يوم الحساب قريب. فثوار تشرين يعدون العدة لليوم الموعود. يوم لا ينفعكم فيه مال ولا بنون. يوم ستجدون فيهم أنفسكم، ما بين هارب وهائم على وجهه، وواقف خلف القضبان. يوم سيضع فيه الثوار اسماءكم في قائمة الخونة والعملاء، وشهداء الثورة في قائمة العز والشرف. يوم سيرى فيه العالم قوة هذا الشعب العملاق وعظمة ثورة تشرين الخالدة؟ يوم يعود فيه العراق قويا كما كان، ويبقى شوكة في عيون كل اعدائه التاريخيين، القدامى والجدد. هذا اليوم ات لا ريب فيه، وليس اضغاث أحلام كما يتوهم الانتهازيون والوصوليون والمنهزمون. فالشعوب دائما هي المنتصرة. والتاريخ قديمه وحديثه يؤكد هذه الحقيقة.