ودعنا إلى أجله المحتوم، الروائي المبدع عبد الرحمن مجيد الربيعي، وبفقده خسرنا قلماً إبداعياً شاسع التأثير.
وهنا، لن أسابق غيري في الكتابة عن العزيز أبي حيدر. ففي كتابي (السنين أن حكت) كتبتُ ما ينبغي قوله، لكني هنا أتحدث عن جوانب غير معروفة عن الصديق عبد الرحمن الربيعي تعود إلى 57 عاماً مضت، إلى عام 1966. ففي ذلك العام، صدرت في مصر مجلة شهرية رصينة بعنوان (المسرح) رئيس تحريرها د. رشاد رشدي، وبدأت أعدادها تصل إلى المكتبات العراقية. كان اقتناؤها من قبل المثقفين دليل وعي ثقافي وفني، وكان من تقاليدها أن تفرد الصفحات الأولى لرسائل القراء، وقد فوجئت في أحد الأعداد بأربع رسائل، مضامينها مختلفة. لكن أصحابها أصبحوا لاحقاً من الأسماء المرموقة، إحدى الرسائل كانت من فنان ناشئ من مدينة الاسكندرية المصرية اسمه “وحيد سيف”، أصبح لاحقاً اسماً كبيراً في فن التمثيل في مصر، والأخرى كانت من الكويت مرسلها عبد الحسين عبد الرضا، وهو الفنان الشهير، أما الرسالة الثالثة فكانت من الشاب العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي، وأبدى فيها رغبته أن يكون مراسلاً لها، والرسالة الرابعة كانت مني، أنا كاتب هذه السطور، التي هنأت المجلة بمناسبة صدورها. ومن اللافت أن المجلة أجابت العزيز عبد الرحمن بأنها اختارت الأستاذ وحيد الشاهري وزيد الحلي ليكونا مراسليها. وهذه الرسائل موجودة في العدد ذي الرقم 26 من تلك المجلة الصادر في شهر شباط 1966 وهي محفوظة لديّ.
ولحبه للصحافة، لا سيما الثقافية، فإن الربيعي أشرف على أأنق صفحة ثقافية في فترة منتصف ستينيات القرن المنصرم وأعني بها الصفحة الثقافية في جريدة (الأنباء الجديدة) لصاحبها زكي السعدون. ومن هذه الصفحة خرجت أسماء عديدة معروفة الآن، وفي فترات من بداياتنا الحياتية، جمعنا العمل في إعداد برنامج يومي شهير لإذاعة بغداد باسم “صباح الخير” ككتّاب خارجيين، وكان المرحوم بهنام ميخائيل المدرس الكفء في أكاديمية الفنون الجميلة، مشرفاً على البرنامج الذي كان يسهم في إعداده أيضاً مجموعة مختارة من المثقفين.
لم تنقطع أواصر الأخوة والزمالة مع أبي حيدر، وحين كنتُ أعمل في جريدة الحرية البغدادية، كان يسهم متفضلاً بمادة بين مدة وأخرى لزاوية (أضواء) التي استحدثتها في الجريدة.
يمكنني القول، إن الربيعي لم يصرف أيامه بلا حب، لأن ذلك يعني له العيش في حياة بلا رونق، وهرق العمر بلا مسرة. اعتداده بنفسه واضح عند محبيه، لكنه لم يصل إلى حد الغرور. والرواية عنده ليست سلعة تباع، ولا سوقاً للحظوة، بل هي قبل كل شيء عاطفة تلبس الحروف وشعور يروي حديث الهاجس البعيد.
———————————–