ما زلت اذكر حين قدمت اول مرة الى بغداد في سبعينات القرن الماضي كم كانت جميلة ومبهرة اعجبت بكل ما فيها , سحرتني شوارعها وميادينها, منتدياتها وأماسيها, بكلمة واحدة كان كل ما فيها يخطف الألباب, لكنها والحق اقول لكم لم تنسني الموصل الحبيبة التي عشقتها بكل ذرة في كياني وما زلت اكابد حبها رغم السنين العجاف التي مرت علي وعليها. انها المدينة التي قدمت للعراق على مر تاريخه وتاريخها الموغل في الحضارة الكثير من الانجازات والقادة والعلماء والمفكرين والأدباء , مدينة كانت في يوم من الايام حاضرة الدنيا ثم توالت عليها السنون بين كر وفر وهي في كل احوالها كانت زاهية بقيمها وموروثها. اعترف لكم اني احببت بغداد والعمارة والسماوة وبصرة الطيبين احببت العراق بأهله وأرضه ومائه وسمائه ولكن لتعذروني اذا قلت انني عشقت الموصل التي عنها اتحدث اليوم وهي التي قدمت خيرة ابنائها قرابين للعراق فليس هناك شبر من ارض بلادي الا وتوضأ بدم شهيد من ابنائها ناهيك عن معارك الامة في فلسطين وسوريا ولبنان ومصر واليمن وغيرها, ورفدت العراق برجال رفعوا رايته عاليا في شتى المجالات, في الادب والثقافة والطب والادارة والسياسة وغيرها كثير, فسامحوني على هذا الانحياز البادي على كلماتي ولكن الذي وضعني هذا الموضع هو ما أراه من ضياع حقوق المدينة وأهلها بين صراع الزعامات التي تصدرت المشهد السني في غفلة من الزمن وما زاد الطين بلة ان جلّ سياسيي ونواب الموصل أصبحوا تبعا لهذا الذي سمى نفسه زعيما, أو بوقا لذاك الذي يريد ان يشتري الزعامة بأموال سرقها أو باع بها أهله وبلده للأغراب. فمحافظة نينوى والتي هي ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد أصبحت بين ليلة وضحاها منقادة من خارجها لأناس كل مؤهلاتهم أنهم تعاونوا مع المحتل وأذنابه الاقليميين الذين أغدقوا عليهم الأموال فأصبح لهم سطوة ونفوذ اشتروا بهما بعض من انقاد لهم فتم تسليم مفاتيحها الى غرباء عنها وهنا لا اقصد فقط انهم ليسوا من اهلها ولكن الأهم أنهم غريبون عن عاداتها وتقاليدها وثقافتها. الموصل التي كانت تفخر بتدينها وتمسكها بالقيم والتقاليد والحلال والحرام تسلط عليها سياسيون لا هم لهم سوى ملء جيوبهم وجيوب من جاء بهم ولا فارق لديهم حلالا كان ذلك أم حراما فسهلوا الرشى والابتزاز وأكل السحت وجاؤوا بمن هب ودب وسلطوهم على رقاب الناس كأن المدينة لم يكفها ما عانته من جور الإحتلال وعتمة الطائفية وبشاعة الإرهاب.
وانا أتساءل هنا اين مكان الموصل مما يدور من حديث حول (زعامة السنة) ولمن تكون, وأين سياسيوها ونوابها أرضوا بالمقام فأقاموا ام تركوا فيها فناموا فلا اسمع لهم صوتا الا همسات هنا وهناك على تقاسم هذه الغنيمة أو تلك أو بيع هذا المنصب أو شراء ذاك. المؤسسات العامة في الموصل بيعت بثمن بخس لمستثمرين لم يحدثوا فيها اصلاحا ولم يدقوا فيها مسمارا اللهم إلا انهم بإجازات الاستثمار التي استحصلوا عليها بفساد الفاسدين استوردوا موادا أولية معفية من الكمارك والضرائب وباعوها في الأسواق محققين أرباحا فلكية على حساب المواطن البسيط.
منشآتها ما زالت محطمة من أثر هجمات الظلام الإرهابية والعاملون فيها يتقاضون اجورهم وهم جالسون في بيوتهم. المدينة منهكة ومنتهكة لا بنى تحتية ولا مدارس مؤهلة لاستقبال أبنائنا الطلبة الجدد بل حتى القدامى, والمستشفيات حدث ولا حرج فما زالت أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة تبكي على مستشفى مبنية بالإسمنت الحاف وما زلنا لا نتجرأ ان نحلم بمستشفى حديث تبنى وفق المواصفات شبه العالمية. أقول ان مستشفيات الموصل ما زالت كرفانية بعد مرور خمس سنوات على التحرير ورغم ميزانيات فلكية صرفت للمدينة (لا نعلم وين صفا بيها الدهر).
آن الأوان أن يعرف الناس أين ذهبت مئات المليارات من الدنانير وآخرها وليس أخيرها ما خصص لها في قانون الأمن الغذائي. أعدكم اخواني بأن أضع النقاط على الحروف وأكشف الكثير من المسكوت عنه وللحديث بقية. وقد آن الأوان ان تنهض نينوى من كبوتها وان تعود للصدارة كما كانت دائما.