لذّة الاكتشاف عندي لا تكمن في النظر إلى الأشياء أو لمسها أو تذوّقها أو سماعها أو شمّها لأوّل مرّة ، بل تكمن في التمتع باكتشاف ما هو جديد في كلّ مرّة أنظر بها إلى الشيء نفسه ، أو أدركه بحواسي، أو أهيم إليه بروحي ، لذا أميل دوماً للأشياء التي تُظهر انفعالاً تجاه حواسي ، وهذه اللذة تكمن عندي غالباً في أكل الرمان ، هذه الفاكهة الممزوجة بجمال النساء ، أراها دوماً مثل وجه أحبّه ، فاكهة لها خدود ، أتذوّق فيها كل ّ مرّة طعماً مختلفاً عن المرّات السابقة ، أحبّ هذه الفاكهة التي تنفعل مع انفعالات حواسي ، هذه هي لذّة الاكتشاف التي تألفها عيني وحواسي بالنظر إلى الوجوه والأشياء أو إدراكها ، ولا لذّة سواها ، فاشتعال البدايات ما يفتؤ إلّا أن يخفت .
وهكذا يكون الكشف عن المخفيّات ، والتقرّب من النورانيّات ، فلا يوجد مخفيّ يُكشف ستره من أوّل نظرة ، ولا يمتزج المحبّان إلّا بعد عدد من السلوكيّات ، فبالتكرار تنحلّ العقد ، وبالرياضة تنفرج السُتُر ، وبالمجاهدة تنكشف الحُجُب . من خلال السلوك يمكن الوصول إلى كنه الأشياء ، ولا يمكن الاستمرار في السلوك ما لم يقدِّم لك اكتشافات جديدة ، وملذات روحية ، تجعلك تستمرّ نحو غايتك ، فليس من المنطق أن يستمرّ الإنسان في عمل لا يقدّم له أيّ تقدّم واقعيّ . ولا يمكن لهذه الملذّات أن تتحقّق على أرض الواقع ما لم ترافقها قيماً أخلاقيّة ، فالسلوك هو (هيأة نفسيّة جوانيّة للترقّي والتكامل والانتقال في الأحوال والمقامات) ، وهو (طيّ الطريق) للوصول إلى الغاية . ولهذا ، أنتهج في كلّ غاية أريد الوصول إليها سلوكاً خاصّاً أفترض أنّه يوصلني إلى غايتي .
والسلوك لا يختصّ بالبشر ولا العبادة فقط ، فالزهرة تسلك كلّ صباح سلوك التفتّح لتصل إلى حال الإزهار ، وفي كلّ مرّة تُزهر فيها الزهرة تكتشف عيوناً تنظر إليها بطريقة تختلف عمّا سبق ، والطيور تسلك سلوك الطيران لتصل إلى غاية الحياة ، وفي كلّ مرّة تطير فيها الطيور تكتشف مفصليّة جديدة في هذه الدنيا .
إنّ في السلوك حياةً كاملةً ، فلا يوجد مجال للعبثيّة والعشوائيّة في هذه الحياة ، والوقوف عند النظرة الأولى واللمسة الأولى والفكرة الأولى لهو من ملهيات الفكر ، ومعرقلات المعرفة ، وعوائق الاكتشاف .
إنّ الأشياء التي تقدّم لك نتيجة مرضيّة في كلّ مرّة تسلك معها نفس السلوك الإيجابيّ ، أي تنفعل مع سلوكك تجاهها ، تأكّد أنها أشياء منجذبة إليك ، وأنت منجذب إليها .