لم أخرج كثيراً عن عادتي الحسنة بمشاهدة الأفلام العظيمة المعتقة النائمة بسكراب الذاكرة أزيد من مرة . ما ساعدني في هذه المتعة المبتكرة هو نسياني لبعض التفاصيل التي مرت قبل سنة من رسوخي على كرسي ثابت نابت قدام التلفزيون ، فضلاً عن لذة متابعة التمثيل المذهل لنجوم سينما رائعين كنت عشقتهم أيام الصبا وما بعدها حتى الآن من مثل كلينت ايستوود وجوليانا جيما وكاري كوبر وأنطوني كوين وجارلس برونسن الذي أفتى بعض صحبي بأنه يشبهني ، وطبعاً صوفيا لورين ومارلين مونرو وكاترين دينوف وميريل ستريب وجين فوندا التي صارت لافتة احتجاج مرفوعة بزمان النضال الرومانسي ، والعرب عمر الشريف ومحمود المليجي وعبد الله غيث وتوفيق الدقن وعزت العلايلي ومحمود ياسين ونور الشريف وأمينة رزق وفاتن حمامة وميرفت أمين وحتى شادية وعبد الحليم حيث كانت الأغنيات العذبة بمثابة مكياج لتجميل التمثيل السيء .
البارحة الباردة الماطرة وفي محاولة يائسة لنسيان وجع الديسك العصبي الكافر وبمعونة طيبة من يد وأبر الطبيب الكريم الجميل ابراهيم السعودي ، قضيت نحو ساعتين لذيذتين في إعادة مشاهدة فلم هوليودي مدهش إسمه ” مليون طريقة للموت في الغرب ” وكان عنوانه للمرة الأولى يوحي بدموية ووحشية مفرطة ، لكن مرور الدقائق كشف عن ميتات مضحكة ومسلية حقاً وفعلاً ، وتحول الشريط بعد ذلك إلى كوميديا سهلة الهضم لكنها لا تشبه فن الدعابة السوداء أو الضحك الذي يشبه البكاء . إحدى الميتات كانت لبائع سمين رقيع وجهه محبوب ومقبول ، وكان ينادي على بضاعته المهرجانية الساحرة ، فركض نحوه أحد الثيران الهائجة وغرس قرنيه المعكوفين ببطنه وسط الكثير من ابتسامات وضحكات الجمهور ، وفي كل موت من هذا الصنف ، تذهب الكاميرا صوب البطل المندهش العصبي الذي يكرر لازمة أمام حبيبته المختطفة من زوجها الشرير ويقول لها : ألم أقل لك إن ثمة مليون طريقة للموت في هذا الغرب المتوحش ؟!
في الفلم مجموعة ممتازة وكثيرة من الممثلين المبدعين المشهورين والمغمورين ، ومع موت كل واحد منهم وواحدة ، أشعر بقليل أسى والحماس ومن ثم الضحك العالي الذي ينقطع مثل نفس خائر ينتظر بلهفة مصادفة مضحكة جديدة لنفوق لا يجلب الحزن هذه المرة أبداً !!