تناولتُ‭ ‬قضية‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مرّات‭ ‬عدّة‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬السنين‭ ‬هنا،‭ ‬ويبدو‭ ‬انَّ‭ ‬البلد‭ ‬،الأعرق‭ ‬في‭ ‬الحضارات،‭ ‬مازال‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬أية‭ ‬فاعلية‭ ‬لجهاز‭ ‬سياحي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬مصدر‭ ‬انتاجي‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬العملات‭ ‬الصعبة‭ ‬بوصفه‭ ‬مورداً‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬الدخل‭ ‬الوطني،‭ ‬كحال‭ ‬دول‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬عشرة‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬المرتكزات‭ ‬السياحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتعيش‭ ‬من‭ ‬واردها‭ ‬السياحي‭.‬

هناك‭ ‬علوم‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يتداخل‭ ‬فيها‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجاري‭ ‬والاعلامي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والإنساني،‭ ‬ويبدو‭ ‬انّنا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭ ‬نتصور‭ ‬انّ‭ ‬السياحة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬بإجراءات‭ ‬بدائية‭ ‬عمرها‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬الى‭ ‬أهدافها‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬نرجو‭ ‬منها‭ ‬الأموال‭. ‬هيئة‭ ‬السياحة‭ ‬تسوق‭ ‬خبراً‭ ‬بوصفه‭ ‬منجزاً‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬وظيفتها‭ ‬التخصصية،‭ ‬وهو‭ ‬قيامها‭ ‬بطبع‭ ‬دليل‭ ‬سياحي‭ ‬وتسليم‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬الى‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬ليصل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الى‭ ‬العالم‭.‬

هناك‭ ‬خمسون‭ ‬بعثة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬عراقية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬عشرون‭ ‬نسخة،‭ ‬وهو‭ ‬افتراض‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬المستحيل‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬“المجهري”‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يراه‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الدعاية‭ ‬السياحية‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬مكاتب‭ ‬اية‭ ‬سفارة‭ ‬الى‭ ‬جهات‭ ‬خارجية،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬سفارات‭ ‬العراق‭ ‬صناديق‭ ‬مغلقة،‭ ‬افضل‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬حقيقية‭ ‬هي‭ ‬الخدمات‭ ‬القنصلية،‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأوهام‭ ‬التي‭ ‬تسترضي‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الأحزاب‭ ‬عبرها‭.‬

لم‭ ‬نرَ‭ ‬في‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك،‭ ‬للخارجية‭ ‬وبعثاتها‭ ‬صلات‭ ‬عملية‭ ‬مع‭ ‬الوكالات‭ ‬السياحية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاعلام‭ ‬الدولية‭ ‬لاستقدام‭ ‬السياح،‭ ‬لاسيما‭ ‬انَّ‭ ‬العراق‭ ‬ألغى‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬سابق‭ ‬‮«‬‭ ‬عبقري‮»‬‭ ‬المراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عوامل‭ ‬مساعدة‭ ‬جزئية‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭.‬

الترويج‭ ‬السياحي‭ ‬ليس‭ ‬عملية‭ ‬اسقاط‭ ‬فرض‭ ‬مثل‭ ‬طبع‭ ‬بوستر‭ ‬نعلّقه‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬محلة‭ ‬ولا‭ ‬تراه‭ ‬المحلة‭ ‬المجاورة‭. ‬الاعلام‭ ‬السياحي‭ ‬قضية‭ ‬معقدة

‭ ‬ذات‭ ‬جهد‭ ‬دؤوب‭ ‬وموازنات‭ ‬كبيرة‭ ‬وخبرات‭ ‬متراكمة‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬الوكالات‭ ‬السياحية‭ ‬والمراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬المعنية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬إعلانية‭ ‬مع‭ ‬القنوات‭ ‬والاذاعات‭ ‬والصحف‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وباللغات‭ ‬الأخرى‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬صادف‭ ‬أن‭ ‬سألت‭ ‬صاحب‭ ‬وكالة‭ ‬سياحية‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬أوربية،‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬سابق،‭ ‬يروّج‭ ‬لبلد‭ ‬عربي‭ ‬فأخبرني‭ ‬انه‭ ‬يوزع‭ ‬شهرياً‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬مطبوع‭ ‬سياحي‭ ‬مجاناً،‭ ‬وله‭ ‬إعلانات‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬منذ‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬غير‭ ‬مواكب‭ ‬السرعة‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬السياحي‭ ‬بعد‭ ‬تطور‭ ‬الوسائل‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬منافسات‭ ‬شديدة‭ ‬القوة‭.‬

وقال‭ ‬صاحب‭ ‬الوكالة،‭ ‬انه‭ ‬لو‭ ‬يمتلك‭ ‬عنواناً‭ ‬سياحياً‭ ‬مثل‭ ‬اسم‭ ‬بابل‭ ‬فقط‭ ‬لنافس‭ ‬الوجهات‭ ‬السياحية‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬أهرامات‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الأشهر‭ ‬مع‭ ‬البتراء‭ ‬الأردنية‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تتصدر‭ ‬اهتمامات‭ ‬السياح‭ ‬الاوربيين‭ ‬والامريكان‭ ‬والكنديين‭ ‬عند‭ ‬سفرهم‭ ‬الى‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولكنه‭ ‬استدك‭ ‬بالقول‭ ‬انّ‭ ‬هذا‭ ‬يحتاج‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭. ‬وأضاف‭: ‬انكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬تتمكنوا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تميطوا‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬“الزقّورات”‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فتحاً‭ ‬دولياً‭ ‬عظيماً‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬السياحة‭ ‬العالمي‭. ‬ابتسمت‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬وشكرته‭ ‬على‭ ‬ملاحظاته،‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬انني‭ ‬أصدرت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاث‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً‭ ‬رواية‭ ‬بعنوان”‭ ‬اكتشاف‭ ‬زقورة”‭ ‬،‭ ‬فتحمّس‭ ‬وقال،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬توظيفه‭ ‬لخدمة‭ ‬السياحة‭.‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *